يصادف اليوم ذكرى ميلاد هذا «الوطن». ذكرى جماله وأرضه ورائحته وماضيه ومستقبله وناسه ونخيله وإنسانه. ذكرى الوطن هي ذكرى حُبلى بالأحداث التي يرتبط بها الإنسان المواطن مع تراب وطنه عبر باقة من الحب والعاطفة، وبأشياء زاهية من الذكاء والعطاء والتضحيات. ذكرى ميلاد الوطن هي ذكرى ميلاد من عاشوا بين جنباته فاحتضنهم وأغمض عينيه على مسامات جلودهم خوفاً من الأذى والمرض، وحين ثارت غبار المحن وقذف في قلوبهم الخوف من أمواج البحر راح يهرول في محبة العاشقين يجتذب الحنين نحوهم حتى يطمئن عليهم في حاسة سادسة تسمى «بالوطن». ذكرى مولد وطني هي ذكرى ميلاد المياه والعيون والآبار والنخيلات والبساتين واللؤلؤ وقساوة البحر. هو ميلاد النسيج والفخار والغوص والزرع والحرث والساقية وميلاد تاريخ لا تشوبه شائبة نحو طرف ليس بعربي مبين.

في ذكرى ميلاد وطني تعيش ذكرى ولادتنا وشجوننا وعيوننا وأرواحنا وأشواقنا وعاطفتنا التي لا تتجزأ بين الوطن وغيره من الجغرافيا والتاريخ، فهذه الجزيرة الخالدة لن تنتهي أغانيها وابتسامتها وخواطرها على ضفاف المحرق أو المنامة أو الرفاع أو المالكية أو الزلاق وبقية مدنها وقراها من الشرق وحتى الغرب، فكل لحظات هذه الجزيرة تشي بالكثير من الحب والاتزان، إذ إن كلّ جَنْبَة من جنبات دلمون هي نفحة من نفحات الروح وقبسات من المجد ونعيم الحياة، ومن لم يعش فيها لوهلة من العمر لم يعش بقية العمر بعد.

عاطفتنا اليوم أقوى من العقل حين يكون حديثنا «حديث وطن» وحديث قلب تشرب أفئدتنا من عشقه الكثير من الوداد والشموخ، فالبحرين في عيدها تتجلى كامرأة عذراء ترتدي ثياباً جميلة كحوريات «البحر» أو «البحرين»، ولا شيء أكثر التصاقاً بذاكرتها سوى يوم عرسها وجمال ميلادها الذي لا يشيخ، وحين نتحدث عن الوطن فإننا نتحدث عن الإنسان والمجد والكثير من العشق الفطري الذي يدغدغ كياناتنا وحواسنا ومشاعرنا بصورة لا تقاس أبداً بكل الآلات الحاسبة وبكل أرقام الوجود. وحين يكون الحديث عن البحرين فإننا نتحدث عن الأم التي لا تفارق محيانا لحظة الحب ولحظة الألم، فالعاطفة التي تنهال من أحرفنا هذا اليوم لا يوصفها الشعر ولا البيان ولا التبيان وإنما تصفها العواطف الصادقة والمشاعر الحقيقية التي تتجاوز المنطق ومقاييس العقل وحدود الحسابات البليدة. فالبحرين هي شمعتنا التي نراها شمسنا في كل وقت.