دمشق - رامي الخطيب، وكالات

الرضيع السوري كريم عبدالله الذي فقد عينه جراء غارة لجيش الرئيس بشار الأسد على ريف دمشق، يعد أيقونة جديدة لمأساة الحرب السورية، بعد مئات من الأطفال سبقوه، شغلوا الإعلام طويلاً، مثل حمزة الخطيب في درعا، وعمران دقنيش في حلب، وإيلان كردي الغريق في بحر إيجه والكثير الكثير.

بدأت القصة في 29 أكتوبر الماضي عندما استهدفت طائرة حربية تابعة لجيش الأسد بلدة حمورية بريف دمشق وتسببت بمقتل والدته وإصابته إصابة بليغة في الرأس أفقدته إحدى عينيه مع كسر في الجمجمة لتصبح صورته المؤثرة عنوانا للكثير من التقارير عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة خاصة "فيسبوك"، "وتويتر".



وبدأت تنتشر صور لأشخاص وهم يغطون إحدى أعينهم بيدهم كتعاطف مع مأساة كريم عبد الله، وعبرت قضيته الحدود السورية لتنتشر في العالم وتوجها سفير بريطانيا في الأمم المتحدة ماثيو رايكروفت الذي نشر صورة له على "تويتر" وهو يغطي إحدى عينيه وأرفق الصورة بتعليق قال فيه "عندما نجتمع في مجلس الأمن ونحذر من أن عدم اتخاذ قرار يعني موت المزيد من الناس، وقصف المزيد من المدارس وتشويه المزيد من الأطفال فهذا هو ما نعنيه، يجب إنهاء قصف وحصار الغوطة الشرقية.

وعجت مواقع التواصل الاجتماعي بالمنشورات التي تكتب عن مأساة كريم ومنهم المدرس نابغ سرور وهو سوري مقيم في أمريكا الشمالية حيث قال: "أتضامن مع كريم ولكن ليس بصورة.. أتضامن مع كريم ولكن ليس بدعاء.. أتضامن مع كريم بالسؤال هل ينام جائعاً وهل لديه "مازوت" يتدفأ عليه.. أتضامن مع كريم في علاجه ودوائه.. أتضامن مع كريم بالسؤال هنا عن أهله وعن أبيه وكيف يمكنني الوصول إليه.. كريم ومثله عشرات الآلاف لن تقيهم اللايكات والصور برد الشتاء وقساوة الحرب وقذارة المجرمين.. أتضامن مع كريم وأصحاب كريم وأشباه كريم ووطن كله كريم ما استطعت إلى ذلك سبيلا..".

أما الإعلامي مؤيد أبازيد وهو لاجىء سوري في فرنسا فيكتب "أرى التعاطي مع هذه القضية من زاوية بكاء موسمية على الضحايا السوريين من قبل العالم، والأطفال كانوا دائماً العنوان لهذه الحالات الموسمية. وفي نفس اليوم الذي وضع سفير بريطانيا يده على عينه تضامنا مع الطفل كريم، قتل في إدلب 7 أطفال في قصف جوي روسي، ولم يجد هؤلاء الأطفال من يعلن غضبه من أجلهم أو من أجل 40 ألف طفل سوري قتلوا على مدى السنوات السبع، فضلا عن عشرات الآلاف من النساء والرجال. والألم السوري تجاوز مرحلة التضامن والوقفات الموسمية مع الموت المتواصل، وما نطالب به، أن تكون هناك وقفة صادقة مستمرة من قبل العالم، توقف استمرار القتل في سوريا، وتضع حداً لكل الميليشيات الأجنبية والمحتلين للأرض السورية وإخراجهم من البلاد، وأن تتم محاكمة من تسبب في قتل وتدمير سوريا وطناً وشعباً وفي مقدمتهم رأس النظام بشار الأسد".

وقد تحول الرضيع السوري الذي فقد عينه جراء قصف جوي، رمزاً لمعاناة سكان الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق، بعد انطلاق حملة تضامنية معه على مواقع التواصل الاجتماعي، نشر خلالها كثيرون صورهم وهم يغطون أعينهم في إشارة إلى إصابته.

واستهدفت غارة لقوات النظام في 29 أكتوبر بلدة حمورية في الغوطة الشرقية، آخر أبرز معقل للفصائل المعارضة. وتسببت بفقدان كريم الذي كان يبلغ حينها أربعين يوماً لعينه اليسرى ومقتل والدته.

وبعد أكثر من أسبوعين على إصابته، بدأت على موقعي تويتر وفيسبوك حملة تضامن واسعة باستخدام وسم #متضامن مع كريم، أطلقها ودعمها مصورون سوريون في الغوطة الشرقية.

ونشر المتضامنون مع كريم صوراً لهم ولأطفال يغطون أعينهم. وشارك في الحملة متطوعون من الخوذ البيضاء، الدفاع المدني في مناطق المعارضة، فضلاً عن عاملين في منظمات دولية وناشطين وصحافيين بينهم فريق التحرير في جريدة "بيلد" الألمانية اليومية.

وشارك مسؤولون أتراك صورة كريم أيضاً. وكتب وزير الثقافة والسياحة نعمان قورتلموش "حتى لو سكت العالم، حتى لو تجاهل الصراخ المتصاعد من سوريا، سنكون نحن صوت وعيني وأذني الطفل كريم".

وتعد الغوطة الشرقية واحدة من 4 مناطق خفض توتر في سوريا، بموجب اتفاق توصلت إليه موسكو وطهران حليفتا دمشق وأنقرة الداعمة للمعارضة في أستانا في مايو.

ومنذ بدء سريانه في المنطقة في يوليو الماضي، تعرض اتفاق خفض التوتر لانتهاكات عدة، قبل أن تصعد قوات النظام قصفها منتصف الشهر الماضي.

ويقف الشاب عامر المهيباني، الذي يعمل كمصور حر في الغوطة الشرقية، خلف إطلاق هذه الحملة بعدما نشر في 17 من الشهر الحالي صورة لكريم التقطها أثناء زيارة لمنزله، قبل أن ينشر صورة لنفسه وهو يغطي عينه بيده.

ويقول عامر "انطبعت صورته في ذهني قبل الكاميرا، ولاحقتني في كل مكان".

واستوحى عامر الفكرة من ناشط في الغوطة الشرقية يدعى قصي نور نشر صورة ممنتجة أزال فيها عينه اليسرى.

وبعد ساعات من إطلاق الحملة "بدأ الوسم ينتشر عبر العالم" وفق عامر الذي لفت إلى أن الهدف هو "التضامن مع هذا الطفل الذي فقد عينه ووالدته لنوصل صوته إلى العالم".

وخلال سنوات النزاع الطويلة في سوريا، تحول أطفال عديدون رمزاً لضحايا الحرب التي أوقعت أكثر من 340 ألف قتيل. ومن بين هؤلاء الطفل عمران الذي تصدرت صورته الصفحات الأولى في الصحف العالمية بعد انتشار فيديو لعملية إنقاذه بعد دقائق من نجاته من قصف في مدينة حلب شمال سوريا.

وأصيب كريم، وفق ما يوضح طبيبه المعالج جراح الأعصاب الذي يعرف عن نفسه باسم أبو جميل، في الجزء الأمامي من الدماغ، ما أدى إلى تضرر النسيج الدماغي وعينه اليسرى.

وبحسب الطبيب، لهذا الجزء "دور أساسي في الإدراك وذكاء الإنسان وذاكرته"، وتتطلب إصابته أن "يخضع لاحقاً لعلاج سلوكي، على أن يحتاج في ما بعد إلى عمليات تجميل وترميم لا يمكن إجراؤها راهناً في الغوطة الشرقية".

وفي منزل على الطراز العربي القديم تقيم فيه العائلة، يقول والد كريم "كان عمر ابني أكثر من شهر حين خسر والدته"، وتأتي اليوم امراة لإرضاعه لتعوضه خسارته حليب أمه.

تتولى خالة كريم، بحسب والده، رعايته بشكل دائم ومتابعة علاجه في مركز طبي في مدينة حمورية.

وأثارت حملة التضامن مع كريم تجاوباً واسعاً في منطقة الغوطة الشرقية.

ويقول المصور فراس العبد الله "أردنا لفت نظر العالم إلى الجرائم التي يرتكبها النظام السوري بحق أهالي الغوطة الشرقية المحاصرة واغتيال الطفولة".

وأخيرا سترسو القضية السورية لأسابيع لتطفو من جديد على شكل طفل جريح أو شهيد أو غارق ويتناسى العالم مئات الآلاف الذين قتلوا قبله وسيقتلون بعده، إن ظل صامتا متصنعا العجز وتختزل الحرب السورية الآن في عين كريم عبد الله المتبقية والتي سيواجه بها العالم مبصرا تعامي هذا العالم عما يحدث في سوريا.