* "الوطن" ترصد عملية تجريف "تل السكن"

* خلافات حكومة "حماس" تعصف بتاريخ القطاع

* أكثر من 230 موقعاً أثرياً في غزة



غزة - عزالدين أبوعيشة

تخيل نفسك وأنت تتجول في تل السكن الأثري بغزة، تشاهد الحضارة والتاريخ في أجمل صورهما، الصخور التي يزيد عمرها عن آلاف السنين، والمباني الحجرية القديمة، بعض المسالك ذات الطابع الكنعاني، والمعالم التي تشهد على الهوية الفلسطينية.

لكن أن تعود مرة أخرى للمكان ذاته، لتجد بواقي معالم للآثار، فذلك يدلل على أن هناك عدوًا للآثار اعتدى عليها ودمرها، فمنطقة تل السكن الأثرية والتي توجد في مدينة الزهراء وسط قطاع غزة، تعود أصولها للعصر البرونزي في فلسطين، 3000 قبل الميلاد، أي يقدر عمرها بنحو 5 آلاف سنة حيث تحتوي على عددٍ كبير من الآثار.

سُجّلت منطقة تل السكن كمعلم أثري فلسطيني في ملفات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، عام 1998، وصنف في عهد الحكم المصري لغزة على أنه موقع أثري، ودخلت في سجلات المناطق الأثرية في وزارة السياحة والآثار التابعة للسلطة الفلسطينية، وبعد سيطرة حركة حماس على القطاع عقب فوزها في الانتخابات التشريعية المبرمة عام 2006، بقيت المنطقة تحت رعاية الوزارة التي أقامتها حماس.

لكن عراقة المنطقة التاريخية وأصولها، ووجود عشرات القطع الأثرية والمعالم القديمة والمسالك فيها، التي اكتشف بعضها أثناء تنقيب علماء الآثار من "اليونيسكو"، وأجريّ عليها عدة حفريات في عهد السلطة من علماء فرنسيين، لم يحميها من الطمس والتخريب، والذي يعد جريمة في العرف المحلي والدولي.

فمنذ عدة أيام تعمل سلطة الأراضي التابعة لحكومة "حماس" على تجريف بعض المناطق في التلّ الأثري، كمرحلة أولى لتأهيله من أجل توزيع أراضيه على موظفيها بدلاً من رواتبهم المتأخرة، وتتعاون معها وزارة الاقتصاد التي تأخذ الرمال الصفراء الناتجة من التجريف لبيعها للمواطنين.

تبدأ القضية منذ أن قررت حركة حماس تعويض موظفيها بأراضٍ بدلاً من مستحقاتهم المالية، التي تأخرت الحكومة عن دفعها بسبب الأزمة المالية التي عصفت بها بعد تشديد الحصار على غزة، فعملت من خلال سلطة الأراضي على تحديد عدة أراضي مشاع حكومي لتعويض الموظفين فيها ومن بينها منطقة تل السكن.

تواصلت "الوطن" مع رئيس سلطة الأراضي في غزة كامل أبوماضي الذي أوضح أن "هناك قرار من مجلس الوزراء، ومن لجنة الأراضي الحكومية العليا يسمح لهم بتخصيص الأرض، ويعطي لهم الصبغة القانونية في عملية توزيع الأراضي لعدد من موظفي الحكومة".

وقال أبوماضي "حددنا المنطقة المحددة تجريفها، وأعطينا دائرة الآثار في وزارة السياحة، ورئيس اللجنة الإدارية التي كانت تدير مهام القطاع عوضاً عن حكومة الوفاق، مهلة ستة شهور تجري خلالها عمليات التنقيب لتثبت أن المنطقة أثرية، وبعد انتهاء المدة لم تستطع اللجان إثبات ذلك".

وأوضح أبوماضي أن "سلطته حددت المنطقة الأثرية وبدأت التجريف بجانبها، ولم يتم إيجاد أي قطعة أثرية ثابتة لتلك اللحظة"، نافيًا أن تكون الرمال التي تخرج أثر التجريف بيعت لأي شخص، بل إنها تنقل للبحر وبعض المناطق البعيدة عن الناس.

وبالإشارة إلى أنه تبلغ مساحة المنطقة المحدّدة التي تجري فيها سلطة الأراضي التجريف بنحو 12 دونماً، ستوزع كبديل لمستحقات موظفي حماس، وبحسب سماسرة من المنطقة يقدّر ثمن المتر الواحد بنحو 200 دولار أمريكي، وقد يرتفع خلال المرحلة المقبلة إذا شهدت تطوراً عمرانياً.

وحول أن اتفاق المصالحة وعملية دمج الموظفين في السلك الحكومي كفيلة بتعويض الموظفين، لفت رئيس سلطة الأراضي إلى أن قرار التوزيع صادر قبل بدء توقيع المصالحة.

وأكدأبو ماضي أن المناطق المحددة وزعت على الموظفين وقيدت في دائرة تسجيل الأراضي - الطابو، مستنكراً لماذا لم تأخذ وزارة السياحة والآثار قراراً حكومياً بعدم الاعتراض على الأرض والعمل بها كمعلم أثري.

من جهته، قال مدير عام الآثار في وزارة السياحة جمال أبوريدة "هناك خلاف كبير مع سلطة الأراضي في تخصيص منطقة تل السكن، ونمتلك عدة إثباتات أن المكان أثري ولا يجوز الاعتداء عليه"، واصفاً عمليات تجريف المكان "باغتصاب الأرض".

وبين أن وزارة الآثار اعترضت على عمليات التجريف ورفضت ما يجري بشكل كامل، مشيراً إلى أنهم طرحوا على سلطة الأراضي عدة أماكن مختلفة يمكن من خلالها تعويض الموظفين بدلاً من الأماكن الأثرية.

ولفت إلى أن الوزارة خاطبت مجلس الوزراء والمجلس التشريعي بضرورة إصدار قرار بوقف عمليات التجريف في المناطق الأثرية، داعياً رئيس الوزراء الفلسطيني بضرورة إصدار قرار بوقف كل أعمال التجريف.

وأوضح أبوريدة أنهم في وزارة السياحة رفضوا اعتبار جزء من التل كمنطقة آثار وتخصيص الباقي، مؤكداً أن عمليات التجريف التي تقيمها سلطة الأراضي أتلفت عدة قطع أثرية.

وشدد على وجود آثار في المنطقة تم الاعتراض عليها من قبل سلطة الأراضي ومثبتة بدلائل رسمية عند الوزارة، وتشمل جرة فخارية تعود للعصر البرونزي، وبقايا أسطح منزلية مبنية بالطوب الأحمر المنتشر في تلك الحقبة.

ولم تكن هذه هي المحاولة الأولى لتدمير التل، فحاولت بلدية غزة فتح شارع داخل المنطقة الأثرية، لكن وزارة السياحة اعترضت على المشروع، الأمر الذي دفع البلدية إلى التراجع عن مخططها. بعد مدة، جرفت إدارة جامعة فلسطين جزءاً من التل في مشاريع البناء الخاصة بها، ما أدى إلى تآكل جزء كبير منه، لتصل مساحته إلى 18 دونماً من أصل 30.

ويضم قطاع غزة من الآثار قرابة 150 بيتاً و12 موقعاً و40 مسجداً و22 مبنى، تعود إلى العهدين الروماني والبيزنطي، وكذلك المسيحي والإسلامي، ويوجد أيضاً عدد من المعالم المسيحية وأنقاض كنيستين، وكنيسة قائمة، ودير مسيحي يسمى القديس هيلاريون الذي يصنّف على قائمة التراث العالمي بأنه أول ديرٍ في التاريخ المسيحي.