المواجهة التي أثيرت بين أردوغان والشيخ عبدالله بن زايد ليست بين تركيا والإمارات، المواجهة بين مشروعين أحدهما عطل الآخر، مشروع «دولة الإمارات» فيه رأس الحربة ومشروع - أردوغان كفرد - هو رأس الحربة فيه لا دولته، مشروع يطمح صاحبه لإعادة الخلافة العثمانية مرغماً تركيا على تبنيه، وعطلته وتصدت له دولة الإمارات.

الأجداد الذين فزع لهم أردوغان لم يكن فخر الدين باشا التي كانت التغريدة تخصه، وهو الوالي العثماني الذي عينه أنور باشا رئيس الحكومة العثمانية على المدينة المنورة. بل الفزعة كانت من أردوغان لجده أرطغرل والد عثمان مؤسس الدولة العثمانية.

أردوغان ضحية أحلامه يحلم بإعادة إحياء شخصية أرطغرل وهو حلم قد يقود تركيا للصدام مع محيطها لتكون ضحية زعيمها، أرطغرل هو من تلبس أردوغان، ولولا الحياء لوجدته لابساً ملابسه متقلداً سيفه.

أردوغان جعل من نفسه ممثلاً ضمن فريق تمثيل هذا المسلسل الذي بدا موسمه الرابع، بل أصبح أردوغان فرداً من عوائل طاقم الممثلين، شاركهم حياتهم الخاصة، يزوجهم ويأكل معهم، ويزورهم ضيفاً متكرراً على مواقع التصوير يمر بين خيامهم ويجلس مع أطفالهم ويركب خيولهم وموسيقى المسلسل هي التي تسود احتفالاته الرسمية، ولولا الحياء لنادى أردوغان على زوجته بحليمة بدلاً من أمينة!!

أرطغرل تلبس بالفعل أردوغان فعاش الحلم بالزعامة الإسلامية وصدق بأن تركيا اليوم قادرة على ضم العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه تحت زعامتها، وهنا بدأت مشكلة أردوغان لا مع العالم العربي بل حتى مع الأتراك، فالمشكلة حين يحاول أردوغان أن يجعل من حلمه حلماً لجميع الأتراك، يريد أن يقنع الأتراك بأن نصفهم الشرقي هو المفضل على النصف الغربي، أراد أردوغان أن يذكرهم بدولتهم التركية العظيمة التي استطاعت أن تحتل غالبية الدول العربية وحكمتهم لمئات السنين، أرادهم أن يحلموا معه بإحياء تلك الدولة وأن ينسوا الحلم الأوروبي الغربي الذي رفض ضمهم للنادي الأوروبي معه، لقد تحمل أردوغان مسؤولية إقناع الأتراك بحلمه وترك لتنظيم الإخوان المسلمين مسؤولية إقناع الشعوب العربية بالحلم الأردوغاني، استعان حزبه بالدراما التركية لإقناع الأتراك ألا تقف طموحاتهم عند الحدود التركية، أن تمتد إلى الحدود التي كانت عليها الإمبراطورية العثمانية، واستعان بالماكنة الإخوانية الإعلامية لإقناع الشعوب العربية.

و كلما سأل أردوغان التنظيم الإخواني العربي عن مهمته في إقناع العرب، أقنعوه بأنهم أنجزوا المهمة على أكمل وجه، أقنعوه أن الشعوب العربية تنتظره على أحر من الجمر وينتظرون عودة فخر الدين باشا بفارغ الصبر، وما عليه سوى ركوب فرسه والدخول فاتحاً!!

حتى إذا ما انقلب المصريون على حكم الإخوان وقادت دولة الإمارات مهمة فضح المشروع الإخواني في الخليج هاج وماج، فطمأنه الإخوان مرة ثانية بأن الأمور على ما يرام فهناك شعبية كاسحة لشخصية أرطغرل والطريق ممهد لحفيده، والأهم هناك دولة خليجية ستفتح له الباب على مصراعيه في الخليج بل وعلى استعداد لفتح أرضها من أجل إعادة بناء أول حامية عثمانية في القرن الواحد والعشرين.

إلى أن جاءت تغريدة الشيخ عبدالله بن زايد فكانت كدلو الماء البارد الذي أيقظ أرطغرل من حلمه ففزع مستنفراً رافضاً إيقاظه من الحلم الذي يحارب العالم من أجله، إذ إن التغريدة تمس رمزاً من رموز الحكم الأرطغرلي فهي مساس بالحلم الأردوغاني، فكيف لا يفزع ويستنفر ويختل توازنه وينسى أن قرناً مضى على ذلك التاريخ، وجاء في العرب «زايد بن نهيان» أقام دولة لها ثقلها ولها فعل خيرها ولها وزنها ومكانتها العربية والمساس بها مساس بنا جميعاً كعرب لا يمكن أن يمر مرور الكرام؟.

أردوغان في وضع لا يحسد عليه فحلمه سيكون قاتله، ومن أجل حلمه أفسد بناء تاريخ من العلاقات التركية العربية، وهدم جسوراً بين تركيا وبين الدول العربية وأعاد خلق الأزمات بعد أن صفرها، وتركيا تدفع ثمن حلم أرطغرل الآن.

إقناع الاتراك بنسيان النصف الغربي ونسيان النادي الأوروبي وحلف الناتو ليس عملية سهلة، إذ إن النصف الشرقي عند «أردوغان» ليس عقائدياً ولا هي تقاليد يود إحياءها فحسب، النصف الشرقي عند أردوغان حلم سياسي يتجاوز الحدود التركية ويصطدم بقوانين دولية وحدود سيادية مما يضع تركيا في مواجهة مع الواقع، النصف الشرقي يقف في مواجهة مشروع «أوربة» تركيا وتغريبها الذي مضى عليه مائة عام بنت فيها تركيا علاقتها مع إسرائيل وتبادلت معها المنافع وأصبحت بفضلها عضواً فعالاً في حلف الناتو وتقدمت بها للنادي الأوربي، وتلك صورة لا يمكن أن تتوافق مع الصورة الذهنية للزعامة الإسلامية، هو عاجز عن إقناع الأتراك بحلمه فكيف سيقنع العرب به؟!

الفزعة التي فزع بها العرب لعبدالله بن زايد هي لأجداده الذين عاشوا على تلك الأرض والفزعة لأبيه الذي بنى دولة الإمارات حين كان أرطغرل نائماً في كهفه، فجعل زايد وأبناؤه من بعده من هذه الدولة منارة يحلم العرب أن يهتدوا بهديها.