يكشف حكم القضاء العسكري عن حقيقتين مؤكدتين تعبران عن مكنون هذه الأرض الطيبة وجسامة المهام التي تقع على عاتق المسؤولين في الدفاع عن مقدراتها والذود عن حياضها، إحداها أن المملكة كانت ومازالت عرضة للاستهداف من قبل قوى الشر التي تضمر لها ولقيادتها العداء، وتحمل في صدورها الغل والحقد لرجالاتها.

الأخرى أن البحرين ستظل عصية أمام كل من يحاول النيل من استقرارها، وستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه المساس بأمن أهلها الكرام ما دام يعيش بين جنبات هذه الأرض وفي ربوعها الآمنة رجال نذروا دماءهم وأرواحهم فداءً لوطنهم ويعملون ليل نهار من أجل حماية أبنائه ورموزه والحفاظ على منجزاته ومكتسباته.

وبقراءة دقيقة في تفاصيل القضية الصادر فيها الحكم اليوم، يمكن الوصول إلى عدة دلالات واستنتاجات تمثل في الواقع مصدر قوة هذا البلد وركنه الركين في منعته وحصانته أمام كل هذا الكم الهائل من الافتراءات والاعتداءات التي تصدى لها رجال هذا الوطن الأبي بكل قوة وشجاعة وإقدام.


من بين هذه الدلالات: إيمان المملكة وأجهزتها المختلفة، سيما منها قوة دفاع البحرين، بضرورة المواجهة السريعة والمباشرة لأي محاولة لزرع بذور الفتنة والإرهاب داخل حدود الوطن، أو أياً من مؤسساته، وفي مقدمتها قوة دفاع البحرين ذاتها، وبخاصة أن مثل هذه المحاولات البائسة كانت وما زالت مدعومة من الخارج، وتحمل شبهة الاستغلال لضعاف النفوس، سيما في مؤسسات المملكة الكبرى، وتستهدف بنية تماسكها وتلاحم مكونات الوطن ووحدة مجتمعه.

بدا ذلك واضحاً بالنظر إلى طبيعة الجرم الإرهابي الذي تم إحباطه ومجموع تفاصيله التي لم يتم كشف النقاب عنها كلها بعد، إذ اتضح أن عناصر الخلية المضبوطة والمحكوم عليها، والهارب بعض عناصرها، ترتبط تنظيميا ببعضها البعض، ولها صلاتها بالخارج، وتتلقى تكليفاتها وتوجيهاتها وأوامرها من هناك، ولها أيضاً امتداداتها وأذرعها التمويلية والتحريضية المنتشرة في بعض دول الجوار، ومنها إيران، بل وتتلقى دعماً لوجيستياً وتمويلاً مباشراً من هناك حسبما أكدت أوراق القضية.

ولا يمكن هنا فصل تلك المؤامرة عن الاعتداءات الإرهابية وعمليات التخريب وإثارة الشغب التي شهدتها المملكة خلال الفترة الماضية، واستهدفت رجال أمن ومنشآت ومواطنين ومقيمين، وهو ما أكده سجل المحكومين الجنائي، وتورط الكثير منهم في أسبقيات مثبتة في جرائم عدة صدر على أثرها أحكام قضائية باتة، مع التأكيد على تكررْ سفر بعض هؤلاء المتورطين لمناطق صراع خارجية، وخضوعهم لتدريبات مكثفة على كيفية استخدام الأسلحة النارية ومواد التفجير وغير ذلك.

الدلالة الثانية: الثقة والاطمئنان في جاهزية قوة دفاع البحرين على تتبع خيوط هذه المؤامرة التي حيكت بليل، وقدرة أجهزة مكافحة الإرهاب داخلها في الكشف عن المتورطين فيها، والنجاح في سرعة ضبطهم، والتحقيق في طبيعة ارتباطاتهم وعلاقات أفرادها بالخلايا المجرمة سواء داخل المملكة أو خارجها مع تقديمهم إلى المحاكمة العاجلة لينالوا جزاء ما اقترفت أياديهم بحق وطنهم وأبنائه ورموزه ممن وهبوا أنفسهم في سبيل رفعته ونهضته.

وتجسد هذه الدلالة حقيقة الجهود الحثيثة التي تقودها قوة دفاع البحرين بتوجيهات من حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى وبمتابعة حثيثة من المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفه ليس فقط لمحاصرة التطرف بكل أشكاله، ومحاربة الإرهاب بكل أنواعه ومستوياته وبالتعاون وبمساندة قوى الأمن الأخرى، وإنما أيضاً لتأمين الجبهة الداخلية للوطن عامة، والحفاظ على واحدة من أهم وأكبر مؤسساته، خاصة أن قوة دفاع البحرين يقع على كاهلها صيانة استقلال البلد وحماية سيادته، والنأي بها والمنتسبين إليها عن أي شائبة تعكر صفو واجبها الوطني ومهامها المقدسة.

دلالة أخرى عبرت عنها المحاكمة، وعكست بعض ملامحها تفاصيل الحكم على المتورطين في المؤامرة، وتتعلق بهذا الحس الوطني العالي الذي تملكه أجهزة الدولة المختلفة، والهمة العالية الذي اتسمت به الدوائر المعنية بمكافحة الإرهاب، ومدى الوعي الذي تحلت به قيادة قوة دفاع البحرين ذاتها، وإدراك رجالاتها والمسؤولين بها لحجم وخطورة المؤامرات التي تستهدف البحرين ككل، وطناً وشعباً وقيادة، سواء في أوقات سابقة أو في الوقت الراهن.

تلك المؤامرات والمخططات التي بدأت منذ أمد، ولم تنته إلى الآن، وباءت كل محاولاتها المستميتة لغرس بذور الفتنة والفوضى، بالفشل نتيجة تكاتف الشعب البحريني الأصيل مع قيادته الرشيدة، وتحركات المملكة المتواصلة لوأد ظاهرة الإرهاب في مهدها، والقضاء على مسبباتها، أياً كانت الشكل الذي تتخذه، والصورة التي تتمثل فيها، إضافة إلى تضامن أهل هذا البلد الكرام مع الأجهزة الوطنية المختصة، سيما قوة دفاع البحرين، التي منها وإليها ينتمي وينتسب كل بيت من بيوت هذه المملكة الطيبة.

إن نجاح مكافحة الإرهاب بقوة دفاع البحرين في إحباط محاولة اغتيال القائد العام لقوة دفاع البحرين دليل برهان على العديد من المبادرات والخطط والإجراءات التي أطلقتها المملكة منذ سنوات عديدة، واستهدفت الحد من أي عبث يمتد بأياديه الخبيثة وأفكاره المجرمة إلى حدود الأمن الداخلي للوطن، ويؤكد مواصلة أجهزتها المعنية ودورها المهم في كشف حقائق التنظيمات الإرهابية، سيما بعد الجرائم التي استهدفت منجزات الشعب البحريني منذ 2011 وحتى الآن، وكان آخرها تفجير أنبوب النفط في قرية بوري مطلع نوفمبر الماضي.