دبي - (العربية نت): يقترب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية التي من المقرر إجراؤها في مايو 2018 المقبل، في حين أن أزمة العلاقات بين بغداد وأربيل التي خلفها قيام إقليم كردستان باستفتاء للانفصال عن العراق، مازالت قائمة والعقوبات التي فرضتها الحكومة العراقية المركزية على الإقليم، مازالت مستمرة.

في السنوات التي تلت إسقاط النظام العراقي السابق في عام 2003، شكل أكراد العراق ورقة مهمة لإيصال أطراف عراقية للأغلبية السياسية في البرلمان، ومن ثم السلطة التنفيذية عبر تحالفاتهم مع هذا أو ذاك. وطالما اتهم الأكراد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بنكث الوعود رغم دورهم في إيصاله لرئاسة الحكومة لثلاث ولايات متتالية. والآن أيضا يبدو أن للأكراد تأثيرهم في الانتخابات القادمة رغم الضعف الذي يعانونه بعد "انتكاسة الاستفتاء" والخلافات الداخلية الكبيرة، ويأتي هذا التأثير عبر طريقين مختلفين؛ إذ يبدو أن هناك من يريد استغلال الأزمة لمغازلة الأكراد كي يعينوه في تأسيس أغلبية سياسية وهناك من يريد أن يستفيد من ورقة منع الأكراد من تحقيق الانفصال ليدخل الساحة كبطل قومي منع تقسيم العراق.

قبل استفتاء 25 سبتمبر 2017، كانت الحكومة الاتحادية العراقية تدعو إقليم كردستان لحل الخلافات عبر المفاوضات ولكن الإقليم وخاصة رئيسه السابق مسعود بارزاني، رفض الدعوات لأي مفاوضات قبل أن "يقول الشعب الكردي كلمته عبر الاستفتاء" وحول "ترتيبات الانفصال".



ولكن ما حدث بعد الاستفتاء من استعادة معظم المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل من قبل القوات العراقية وأهمها محافظة كركوك الغنية بالنفط والعقوبات التي فرضت على الإقليم، جعلت أربيل هي من تطالب بغداد بالتفاوض، ولكن هذه المرة للحكومة العراقية شروط للجلوس مع الإقليم.

وبعث الاثنين 25 ديسمبر نيجرفان بارزاني رئيس وزراء إقليم كردستان رسالة إلى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، يدعو فيها الحكومة العراقية للبدء في المفاوضات بدلاً من تبادل التصريحات الإعلامية.

العبادي لم يرد رسمياً على الرسالة حتى الآن ولكنه أعلن مرارا وكان آخرها هذا الأسبوع شروطاً لبدء الحوار مع الإقليم وأهمها "إلغاء نتائج الاستفتاء بشكل صريح وشفاف" و"تسليم المعابر الحدودية للحكومة الاتحادية".

أربيل التي كانت قد أعلنت "تعليق نتائج الاستفتاء" وليس "إلغاءها" لم ترضخ لشروط بغداد حتى الآن وتطالب بحوار "غير مشروط". هذا وكانت قد أعلنت مفوضية الانتخابات في إقليم كردستان عن تأييد بلغ 92% للانفصال عن العراق من المشاركين في الاستفتاء.

وهناك أنباء متضاربة حول زيارة مرتقبة لوزيري الداخلية والدفاع في الحكومة الاتحادية العراقية لزيارة إقليم كردستان للبحث في عدة ملفات.

ونقلت شبكة رووداو الإعلامية المقربة من نيجرفان بارزاني، "بعد طرح عدة مبادرات من إقليم كردستان وإعلان استعداده للحوار والضغوطات الدولية على بغداد، فمن المقرر أن يزور وزيرا الداخلية، قاسم الأعرجي، والدفاع عرفان الحيالي أربيل لبحث مسألة المطارات والمنافذ الحدودية مع المسؤولين في حكومة إقليم كردستان".

وقال النائب عن حركة التغيير في البرلمان العراقي، مسعود حيدر بشأن زيارة الوزيرين، إن "زيارة الوزيرين تأتي بعد الضغوط الدولية والداخلية على بغداد".

لم تعقب الحكومة العراقية على هذه الأنباء حتى الآن، ونفى مصدر عراقي طالبا عدم الكشف عن اسمه في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط" الخبر، قائلا: "لا معلومات بهذا الشأن".

بعد سنوات من المشاكل والخلافات بين رئيس الوزراء الأسبق ونائب رئيس الجمهورية العراقي الحالي نوري المالكي وقيادة إقليم كردستان، أقدم المالكي في مقابلة أجرتها معه شبكة رووداو على كسر الجمود في العلاقات مع الإقليم، وقال إنه "لم يبقَ أي مبرر لعدم العودة إلى الدستور والبدء بالحوار وفتح صفحة جديدة".

وقال المالكي، إنه "يجب أن يبدأ الحوار على خلفية الشعور المشترك بالعلاقات والأخوة والشراكة الوطنية التي تجمعنا، أما تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات فما المقصود منها؟! فوضع الإقليم لا يتحمل، ويجب إجراء مراجعة سريعة لوضع الإقليم قبل فوات الأوان، والحكومة المركزية تستطيع أن تساعد الإقليم لمواجهة التحديات ولكن على الإقليم أيضاً أن يتقدم نحو الحكومة المركزية وأن يتفاعل معها وفق السياقات الدستورية".

وكان قد أكد المالكي الأحد خلال لقائه السفير الأمريكي لدى بغداد دوغلاس سليمان، دعمه للحوار غير المشروط مع إقليم كردستان .

ونقل موقع "كتابات" عن "مسؤول كردي رفيع" قوله إن "المالكي يحاول من خلال تحركاته التمهيد لمشروع الأغلبية السياسية، والحصول على دعم الكرد"، مبينا أن "التقاطع الكبير والفجوة المستمرة بين الكرد ورئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي هي المنفذ الذي يحاول المالكي استغلاله".

نظراً للصراعات الداخلية العراقية، الانتخابات البرلمانية القادمة مهمة لترسيم سياسات البلاد في المرحلة المقبلة. هناك تحركات مشهودة من المالكي للعودة للسلطة. ولكن العبادي الذي ينتمي لحزب الدعوة نفسه الذي يتزعمه المالكي، ليس منافساً سهلاً للأخير.

العبادي يمتلك عدة أوراق رابحة، منها الانتصار على تنظيم الدولة "داعش" بعد أن سيطر على مناطق واسعة شمال العراق في عهد المالكي. العبادي فرض سلطة الحكومة الاتحادية على مناطق متنازع عليها مع الأكراد وأجهض محاولاتهم للانفصال، ما تسبب باعتباره بطلاً في حفظ وحدة الأراضي العراقية. ويقوم الآن العبادي بحملة لـ"مكافحة الفساد" يضرب من خلالها بعض مصالح المالكي ولمقربين منه في البلاد.

ليس معلوماً حتى الآن أن يكتفي العبادي بهذه الأوراق، بل هناك احتمالات تقول إنه سوف يسعى لكسب الأكراد لجانبه خاصة بعد أن رأى نية للمالكي في هذا المجال.

وقال رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان العراقي، عرفات أكرم في تصريح لشبكة رووادو إن "المقابلة التي أجريت مع المالكي شكلت مخاوف لدى العبادي وقد يشكل الكرد تحالفاً معه".

ووصف مسعود حيدر، النائب عن حركة التغيير في البرلمان العراقي المقابلة التي أجرتها شبكة رووداو الإعلامية مع المالكي بـ"السياسية، وكانت رسالة لإقليم كردستان والعبادي"، مشيراً إلى أن "المالكي يترأس أكبر كتلة برلمانية ولديه قوة كبيرة وبمقابلته بات العبادي في حيرة من أمره وهذا يدخل في إطار مصلحة الكرد وقد يحلحل الأزمة".

كل هذه المساعي والمزايدات تأتي في ظل خلافات كردية كبيرة، حيث انسحب وزراء حزبي التغيير والجماعة الإسلامية من الحكومة الكردية. وهناك خلافات كبيرة أيضا بين الحزبين الرئيسيين أي الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الذي يسيطر على أربيل ودهوك وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يسيطر على السليمانية، حيث اتهم بارزاني الحزب الأخير بالخيانة في قضية الانسحاب من كركوك.

استمرار الخلافات تقوض الدور الكردي في التأثير داخل المشهد السياسي العراقي ولكن من المؤكد أن للأكراد تأثيراً في الانتخابات العراقية المقبلة وسياسة البلاد المستقبلية.