دبي - (العربية نت): عادت منطقة "التنف" السورية، إلى التداول، إعلاميا، بكثافة ملحوظة، بعد تراشق اتهامات أمريكية روسية، بخصوص تسهيل مرور تنظيم الدولة "داعش" وانتقاله في سوريا، في مناطق النظام السوري، أو في منطقة البادية السورية، بحسب اتهام روسي أخير. وعلى الرغم من أن "التنف" منطقة صحراوية جافة ومهجورة، إلا أنها باتت نقطة اشتباك روسية أمريكية، بعد أشهر خضعت فيها، لاتفاقية تتضمن إبعاد قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية الموالية له، عن قاعدة "التنف" لمسافة لا تقل عن 50 كيلومتراً. واتهم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا والعراق، رئيسَ النظام السوري بشار الأسد بالسماح لعناصر تنظيم "داعش" بالتنقل والتحرك في مناطق سيطرة قواته، من دون "معاقبتهم". أمّا عن سبب سهولة تحرك عناصر "داعش" في مناطق يسيطر عليها نظام الأسد، فقد رجح الجنرال البريطاني، فيليكس غيدنيفي، احتمالين لذلك، فإما أن النظام السوري لا يريد مقاتلة التنظيم، أو أنه عاجز عن هزيمة "داعش" ضمن حدوده. بحسب غيدنيفي. وكان العقيد ريان ديلون، المتحدث باسم التحالف الدولي في سوريا والعراق، قد أكد في 19 ديسمبر الجاري، أن المئات من عناصر "داعش" قد تمكنوا من الوصول إلى مناطق قرب العاصمة دمشق، من خلال نقاط يسيطر عليها جيش النظام السوري، موضحاً انتقال التنظيم إلى جنوب غرب سوريا، وشمال غرب سوريا. وهي مناطق مشمولة بما يسمى اتفاقات خفض التصعيد. وجاء الرد الروسي على اتهام التحالف الدولي لنظام الأسد بتسهيل عبور مقاتلي "داعش" في مناطقه التي يسيطر عليها، عبر اتهام روسي للأمريكيين بأنهم يدربون مقاتلين سابقين في "داعش"، لمحاولة زعزعة استقرار البلاد، بحسب ما قاله الجنرال فاليري جيراسيموف، رئيس هيئة الأركان الروسية العامة. وحدّد الجنرال الروسي منطقة "التنف" التي تضم قاعدة عسكرية أمريكية، والتي تعتبرها روسيا "غير قانونية". وتتمتع منطقة "التنف" بأهمية عسكرية بالغة بالنسبة لنظام الأسد، وحلفائه الإيرانيين، بصفة خاصة. فهي المعبر الممتد طولا وعرضاً، من الحدود العراقية إلى منطقة البادية السورية، وسط البلاد، والتي تنتهي بالحدود مع لبنان على البحر المتوسط. وينظر الإيرانيون إلى "التنف" بأهمية بالغة. و"عين الحرس الثوري الإيراني" تحدّق في تلك المنطقة، بصفتها شرياناً حيوياً بالغاً لنفوذ الدولة المتشدّدة. وقالت صحيفة "الحياة" اللندنية في تقرير لها، بتاريخ 26 مايو الماضي، وبعنوان "الشرق الأوسط الإيراني والتنف السوري"، إن "عين قادة الحرس الثوري الإيراني على المسعى الأمريكي لقطع طريق مقاتليه وميليشياته نحو سوريا انطلاقاً من بغداد، عبر منطقة التنف". وأشار إلى أن منطقة "التنف" تعتبر "شريان حياة للحشد الشعبي العراقي، الذي يقاتل بعض ميليشياته في سوريا". مؤكداً أن "التنف" كمعبر برّي، لنقل "العتاد والعديد الإيرانيين" هو بديل للجسر الجوي المكلف ماديا والصعب عسكريا في ظل هيمنة الطيران الروسي والأميركي في الأجواء. وتقع منطقة "التنف" السورية في أقصى حدودها الجنوبية، عبر حدود مشتركة مع الأردن والعراق التي هي أقرب إليه من الأردن. ويشار إلى "التنف" كمثلث حدودي سوري عراقي أردني. وتقابل منطقة التنف السورية، منطقة "الوليد" العراقية. واستطاعت المعارضة السورية، طرد تنظيم "داعش" نهائياً من التنف، في عام 2016، بمساعدة من قوات التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية. وشهدت "التنف" عدة مباحثات أمريكية روسية وأردنية، بخصوص وضعها، أسفرت عن اتفاق بإبعاد الميليشيات الإيرانية وقوات الحرس الثوري الإيراني وقوات الأسد، إلى مسافات "آمنة" بعيداً من القاعدة العسكرية التي أنشأها الأميركيون فيها. وحصل أول تماس عسكري، في "التنف" بتاريخ 18 مايو الماضي، عندما اقتربت قوات تابعة لـ"حزب الله" اللبناني والحرس الثوري الإيراني، عبر منطقة "السبع بيار" القريبة من "التنف" فتم قصفها وإبعادها عن المنطقة. ويسعى نظام الأسد إلى تأمين خط عبور إيران عبر منطقة البادية السورية، وصولا إلى البحر المتوسط، عبر محافظة حمص السورية التي تتوسط البلاد وتمتلك حدودا إدارية مع الأردن والعراق. فيما تقوم قوات التحالف الدولي من منعه من الاقتراب لمسافة تصل إلى 30 كيلومتراً وهي المسافة التي تفصل ما بين قوات التحالف الدولي وحاجز "ظاظا" الخاضع لسيطرة نظام الأسد، منذ مدة. وكان الإعلام التابع لـ"حزب الله" اللبناني قد أكد في مايو الماضي، حصول اتفاق روسي أمريكي أردني، يتضمن "منطقة أمان" تصل إلى ما بين 60 و70 كيلومتراً حول قاعدة "التنف". واشتد الصراع الروسي الأمريكي حول "التنف" في شكل ملحوظ، بالآونة الأخيرة. حيث أعلنت روسيا إنهاء داعش، من طرف واحد، إلا أنها عادت وأشارت إلى "جيوب" للتنظيم، في أكثر من منطقة سورية، بعدما شهدت منطقة جنوب غربي سوريا، اتفاق خفض تصعيد، تضمن إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود الأردنية، بمسافات من 30 إلى 50 إلى 60 و70 كيلومترا، حسب ما أعلنته وسائل إعلام اختلفت بتحديد المسافة التي تغيرت أكثر من مرة. وقاعدة "التنف" تضم قوات أمريكية وبلجيكية وبريطانية وأردنية، وتعمل على تدريب فصائل معتدلة من المعارضة السورية، من مثل "أسود الشرقية" و"مغاوير الثورة" وقوات تابعة لعشائر تتنقل في المنطقة الصحراوية الواسعة ما بين سوريا والعراق والأردن. ويرى خبراء أن إيران تضغط على الجانب الروسي، بخصوص مسألة "التنف" كونها المنطقة التي تؤمن لطهران، خط انتقال برياً عبر العراق والبادية السورية وحمص وطرطوس وصولاً إلى لبنان والبحر المتوسط. وترى إيران أن "حصتها" من سوريا تتأمن عبر الطريق البرية التي تمر بالتنف، فهي تضمن لها خط انتقال مباشراً من طهران إلى لبنان، عبر العراق وسوريا. حسب محللين. ولحمص السورية التي تمتد أبعادها في أقصى الجنوب والشرق، نقاط عبور مع محافظة طرطوس السورية التي تقع على البحر المتوسط. ويمثل الاتهام الروسي للأمريكيين بتدريب عناصر سابقين من داعش، في التنف، بداية تغيير حاد في الموقف الروسي، من المنطقة، خصوصا أنهم كانوا أجروا مباحثات متعددة مع الأميركيين والأردنيين، لإبقائها منطقة بعيدة عن حركة الميليشيات الإيرانية. إلا أن خبراء آخرين، يرون التصعيد الروسي فيما يتصل بوضع "التنف" شكلاً من أشكال الضغط السياسي على الإدارة الأمريكية، للتأثير في مواقفها خصوصاً حول مؤتمر "سوتشي" الذي تسعى موسكو لعقده، وتعتبره المعارضة السورية خطراً على "جنيف" ومحاولة من الكرملين لإبقاء الأسد في الحكم. ونظراً لوجود قواعد أمريكية متعددة في سوريا، أغلبها في الشمال السوري، فإن الروس يعملون بمبدأ "مقايضة" سياسي، قد يكون وراء الاتهامات الروسية الأخيرة للأميركيين. خصوصاً أن الروس لا يرون تعاوناً من الأميركيين في ما يخص مصالحهم المباشرة، فتأتي "التنف" كتجمُّع مصالح جيوسياسي، للروس والإيرانيين ولاحقاً نظام الأسد. إلا أن "التنف" تمثّل لإيران، في الأساس، مجمل مصالحها، في سوريا والمنطقة، كما سبق وأشارت "الحياة" اللندنية ووصفتها بـ"شريان حياة" للحرس الثوري. ذلك أن تدخل الإيرانيين في سوريا لصالح الأسد، والكلفة الباهظة التي دفعتها من جراء تدخلها، وسقوط قتلى بأعداد كبيرة لها وهي تقاتل المعارضة السورية، يأتي في جوهر الاستراتيجية الإيرانية الساعية إلى تحويل حدود العراق وسوريا، إلى معبر برّي "آمن" يوصلها إلى البحر المتوسط، عبر بوّابتيه القريبتين، طرطوس السورية المتوسطية الحدودية مع حمص، ولبنان بصفته مقراً للميليشيات التابعة لها، وهي ميليشيا حزب الله اللبناني.