لم أكن متفائلة جداً عند ظهور «السوشيال ميديا» وانتشارها منذ ما يربو على العشر سنوات، والتي وصل أوج استخدامها في عالمنا العربي خلال ما يسمى بفترة «الربيع العربي»، ومنذ ذلك الحين وأنا أحمل قلقاً كبيراً إزاء هذه الثورة في علم التواصل إذا صح لي تسميتها. وهذا القلق ترجمته في عدد من الرسائل العلمية التي تبحث تأثير واستخدامات الشارع البحريني لهذه «الثورة الإلكترونية»، وكانت نتائج هذه البحوث «قلقة» مثلي على آليات استخدامنا لهذه الثورة الجديدة التي لم نصنعها ولا نملك آليات قياسها.

ومن منطلق الحكمة الإدارية التي تقول «If you can’t measure it you can’t manage it « أي إنك إن لم تتمكن من قياس الشيء فإنك حتما لن تتمكن من إدارته، قررت أن أعد بحثاً علمياً استكمالاً لنيل درجة الدكتوراه في إدارة الابتكار حول التوصل إلى ابتكار أدوات قياس الرأي العام من خلال شبكات التواصل الاجتماعي الإلكتروني تجعل لدينا قوة لإدارة محتوى هذه الشبكات التي باتت تحاصرنا وتتحكم في حياتنا سواء بطريقة إيجابية أو سلبية.

وعند عرض الفكرة على أساتذتي الموقرين من جامعة الخليج العربي بالتعاون مع جامعة بوسطن الأمريكية، لمست نفس الحرص والقلق لديهم إزاء «ضبابية» أدوات رصد الرأي العام من خلال «السوشيال ميديا»، ورحبوا بأن نبدأ في دراسة هذا الموضوع الحساس، والتي أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن الدول العظمى تهتم كثيرا بالبحث العلمي بكل ما يتعلق برصد الرأي العام الإلكتروني واستشراف المستقبل والتنبؤ به من خلال «السوشيال ميديا»، لا سيما بعض الدول العظمى التي لم تكن شريكة أساسية في صناعة هذه الثورة التكنولوجية والمؤثرة على الرأي العام كالصين وبعض الدول الأوروبية.

وبعيداً عن الدراسة التي بدأت بها فعلاً، يؤلمني بالفعل الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، ويؤلمني أكثر استغلال مناخ الديمقراطية التي نعيشها من أجل نشر بذور الفتنة، والكره، والبغيضة من خلال هذه الأداة الإعلامية الجديدة.

لن أتحدث على مستوى سياسي، ولن أقيم استخدام بعض المسؤولين لحساباتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن هذا المنطلق أود أن أتوجه بالشكر الجزيل لديوان الخدمة المدنية الذي أكد على ضرورة عدم استخدام المنصب الإداري والوظيفي في الحسابات الشخصية للسوشيال ميديا لموظفي الدولة، وبهذا يجب أن نعي أن أي مسؤول في الدولة يعرب عن رأيه من خلال حسابه الشخصي على «السوشيال ميديا» فإنما هو يتحدث عن قناعاته وأفكاره وحسب، وبأن رأيه لا يمثل رأي المؤسسة التي يعمل بها. وأتمنى أن نصل إلى مرحلة النضج الفكري لنفرق بين الرأي الشخصي والوظيفة، كما أتمنى من مسؤولي الدولة أن يضعوا البحرين نصب أعينهم قبل الشروع بكتابة أي حرف، فمن الصعب جداً التراجع عن تغريدة أو عن فيديو انتشر.

أما على الصعيد المجتمعي فإنه يحز في خاطري بعضاً من المحتوى الهابط المتداول بين أفراد المجتمع، وما يزيد ألمي أكثر هو «الريتويت» أي إعادة إرسال المادة التي وصلت لك حتى ولو كتبت تحتها «منقول»، فالقاعدة الذهبية تقول «إذا لم تقتنع بفحوى المادة المرسلة إليك فلا تكرر إرسالها»!! ولأقرب الصورة أكثر وصلني فيديو تشهير نسب محتواه لإحدى عضوات مجلس الشورى السعودي والتي أعرفها عن قرب وتشرفت بتدريسها في المرحلة الجامعية في مملكة البحرين، وهي إحدى النساء المكرمات والتي حصلت على الثقة الملكية بنيل مقعد الشورى في المملكة العربية السعودية، فعلى الرغم من أن عضوة مجلس الشورى بريئة مما أثير في الفيديو وأن أي أحد منحه الله نعمة النظر سيعرف الحقيقة من خلال مشاهدته للفيديو إلا أن الفيديو انتشر بشكل كبير!! ألم يفكر أحدهم أن يقف الفيديو عنده، فهو يكشف عن عدد من الرجال والنساء!! لست بصدد تقييم الفعل الذي يحتويه الفيديو مطلقاً، ولكني أؤمن بأن «الفضحية» ليست من الأخلاق التي تربينا عليها، فديننا الإسلامي علمنا أنه من ستر على مسلم ستر الله عليه في يوم القيامة، فأين نحن من هذا الخلق؟!

عن نفسي أصبحت قلقة جداً حيال المشاركة في أي نقاش على وسائل التواصل الاجتماعي ومن بينها «الواتس اب» حيث إنني أتفاجأ باستمرار من التصرفات غير المسؤولة من البعض، فكيف لصديق أن يسرب محادثة صديقه الذي كان يخاطبه ممازحاً إياه مثلاً!! وكيف لأحدهم أن يتجرأ لينقل رسالة صوتية، أو تصوير فيديو خاص تم مشاركته لمجموعة من المفترض أن تتحلى بالثقة والمسؤولية!!

الحديث حول موضوع «السوشيال ميديا» يحتاج إلى دراسات معمقة لكي لا نصل إلى حد مرحلة «الفوضى» التي نحن على أعتابها. وأدعو الباحثين والمختصين والمهتمين في هذا الجانب إلى بذل المزيد من الجهد البحثي في هذا الجانب، كما أدعو أن يتم العمل والشراكة مع الجهات التشريعية من أجل وضع تشريعات تحد من الاستغلال هذه المنصات الإلكترونية المفتوحة.