من زمان بعيد لم نذق طعماً للفوز بحريني المذاق والنكهة، فشكراً لكل من ساهم بفرحنا، شكراً لمن جعل آباءنا وأمهاتنا يشجعون اللاعبين ويسجدون شكراً لفوزهم ويبكون فرحاً بعد أن ذاقوا طعماً نسوه منذ زمن بعيد الحمد لله «لحقوا» على بعض منهم أطال الله في أعمارهم، ذلك طعم لا يشترى.

شكراً لمن وحد أبناء المذاهب والأعراق المختلفة الذين وقفوا بصدق وإخلاص خلف علم البحرين لا علم أصفر ولا أسود، شكراً من الأعماق شكراً لعنان السماء ذلك هو كأسنا وذلك هو فوزنا ذلك فوز لا يشترى.

شكراً لمن جعلنا نرى «غلاتنا» عند أهل الخليج الذين استطعموا معنا طعم الفوز وتلذذوا به كما تلذذوا بحلوى شويطر عندنا تلك حلاوة لا تشترى.

شكراً لمن حرك الروح الوطنية فينا وكانت قد استرخت وتلك أشياء لا تشترى ولو صرفت عليها الملايين، لن تستطيع أن تجبر الإنسان أن يتقافز في مكانه فرحاً ناسياً مركزه وعمره، شكراً لمن أخرج الأطفال يطبلون في «الدواعيس» ومن أسمعنا «يباب» النساء.

أما الملايين التي تصرف على مشاريع إعادة اللحمة الوطنية فعليها أن تصرف في مشاريع كمشروع المنتخب الوطني لكرة القدم الجامع لكل أطياف البحرين بلا فلسفة التنظير، أما الولاءات التي تشترى لتبتسم لي نهاراً وتطعن بي ليلاً، فهم استثمار خاسر، استثمروا في الناس في القواعد لا في النخب الدينية والسياسية.

استثمروا في مشاريع الفريق فيها بحريني العضو فيها كفاءة كفرد وبكل تلاوينه المذهبية والعرقية في الخارج، ثم اجلسوا وضعوا رجلاً على رجل واتركوا الباقي على شعب البحرين، شكراً لمن أذاب الحواجز فتلك روح لا تباع ولا تشترى.

لا أحتاج بعدها لأن أجلب خبيراً يعلمني كيف أعشق ريحة البحرين دون أن أنظر إلى الزهرة إن كانت تربتها التي زرعت بها وامتدت جذورها فيها إن كانت في المحرق أو العكر، فحين يمثلني في الخارج فريق بحريني مشرف في الأداء فلا أرى إلا طوقاً أحمر ولا أشم إلا رائحة المشموم البحريني المشبوك بورده المحمدي، ولا أحتاج بعدها إلى تنظير ومحاضرات تحدثني عن الروح الوطنية فهي ستبعث وحدها تلقائياً من جديد من خلال منظر اللاعبين وهم يرددون النشيد الملكي، منظرهم وهم يواجهون الجمهور والجمهور يحييهم، منظرهم وهم يتوشحون بعلم البحرين بعد أن اصطفوا جميعاً على أرض مشتركة واحدة وأقسموا ذات القسم ووضعوا علماً واحداً أمامهم لا علماً أصفر أو أسود ولا أبيض بل علماً بحرينياً واحداً، هذا الذي أجبر شعب البحرين وجمهور البحرين كله أن يقف خلف الفريق لأنه فريق بحريني حينها لم يفرق الجمهور من هو سني منهم ومن هو شيعي في الفريق، فكم «يسوه» هذا الإنجاز بحد ذاته؟! فهذه هي البحرين التي نبحث عنها وبها نسوق صورتنا في الخارج تلك صورة لا تباع ولا تشترى.

صحيح أن شعبية اللعبة ساهمت كثيراً في جمع الأضداد من بين الجمهور إنما عوامل أخرى عديدة ساهمت أيضاً بجمال الطعم، واحد منها «الفريق المنافس» فكان الفوز عليهم مطعماً بنكهة سياسية زادت من «نطاعته»!!

عامل آخر زاد من حلاوة طعم الفوز وهو اهتمام القيادة ممثلة في الشيخ ناصر وممثلة في رؤساء الاتحاد في هذه اللعبة قبل المباراة وبعدها جعل من طعم الفوز بالمباراة طعماً يتلاحم أفقياً بين الجمهور البحريني بجميع تلاوينه ويتلاحم رأسياً مع أفراد الأسرة، فكانت الذائقة واحدة لأن الشعور واحد والفرحة واحدة وعفوية الفرح وتلقائيته متشابهة تلك التي في مجلس الشيخ ناصر كانت هي ذاتها في بيوتنا في مدن وقرى البحرين، في ذات الوقت الذي قفز فيه الجمهور في الملعب مع الجمهور في المقاهي الشعبية مع الأسر في البيوت، كل أم في كل مدن وقرى البحرين كانت ترى ابنها وابن الملك يتقافزون في ذات اللحظة ولنفس الفوز هنا كان الفوز، فالناس تبحث عن قواسمها المشتركة العفوية والتلقائية التي تتمثل في التقافز من على الأرض في نفس وذات اللحظة معه، ولنفس النصر هذه أشياء لا تشترى.

شكراً لمن أعاد لنا الروح وأذاقنا طعم الفوز وجمع شعب البحرين كله على سفرة واحدة لتأكل من «غنجة» واحدة أشبعتنا وأغنتنا.. فاللهم لك الحمد.

ملاحظة: «الغنجة» تعني الصينية التي كانت هي الصحن الكبير قطرها من نصف متر إلى متر والتي كانت تجتمع الأسرة البحرينية حولها لتأكل منها بيدها في ذات الوقت فلم يكن يأكل كل منا بصحنه منفرداً وفي أوقات مختلفة كنا نجتمع الكبار والصغار تمتد يدهم في ذات الوقت، وهذا سلك وعادة تحتاج لمقال خاص به وبالغنجة!