موجة الغلاء قادمة وبدأت ملامحها، والضريبة المضافة أمر واقع سيطبق مهما تأخر، والأوضاع الاقتصادية تفرض الكثير من التحديات، ولكن.

وهنا علينا التوقف كثيراً عند كلمة «لكن»، لأن المعالجات المعنية بما سيتبعها من تفصيل، هي التي تحتاج جهوداً وخططاً حتى نضمن ألا يقع الضرر على المواطن الذي يفترض أنه محور كل شيء.

اليوم حينما نتحدث عن فرض رسوم باتت من متطلبات النظام المالي العالمي، كما يعلن عنه، علينا أن ندرك ما سيترتب عليها من تداعيات، أخطرها تلك التي ستصدر بالتأكيد من قبل المواطن. هذا المواطن المؤمن بأنه متضرر بشكل أو آخر.

مشكلتنا منذ فترة أننا حينما نحاول إقناع الناس أن السياسات المالية التي ستتبع هي في صالحه العام، لا نقدم له الأدلة الملموسة التي يمكن له إدراكها، بحيث تكون قابلة للقياس، ولا نطالعه بردود شافية على تساؤلاته.

في الدول الغربية هنا ضريبة تفرض على الدخل، وقبل فترة كنت إحدى الدول الأوروبية ففاجأني شخص وهو يتحدث عن الضرائب، وأن ما يقتطع من راتبه فور نزوله يساوي 42 ٪ منه، وهو مبلغ كبير جداً يقارب النصف. لكنه في المقابل يتحصل على كثير من الخدمات والضمانات الاجتماعية التي يعتبرها حقاً لازماً نظير ما يدفعه من راتبه.

نحن لم نصل لهذه المرحلة بشأن التفكير في ضريبة الدخل، ولا يجب أن نصل إليها أصلاً نظراً لتركيبة دولنا ومواردها المالية، خاصة وأن نمط الحياة تأسس قبل عقود وتعود عليه الناس، وباتت كثير من الأمور حقاً مكتسباً، بل تم اعتبار عديد من الخدمات على أنها «حقوق»، رغم أن مقارنتها بنظام الدول الغربية يكشف بأنها لا تعتبر كذلك عندهم.

لكن عملية المقارنة تدخلك في تشعبات عديدة، أهمها ما يتعلق بمعادلة «ما يؤخذ وما يقدم»، إذ هي قضية فيها تفصيلات عديدة يمكن للناس أن يتفوقوا في كثير منها، كحال لسان البعض حين يقول «تعاملوننا كالغرب، أعطونا خدمات مثلهم»، مع الوضع في الاعتبار أن هذه الجملة المطلبية بحد ذاتها فيها تفصيلات قد تعصف بالخرائط الذهنية لدى المتمعن فيها.

لكننا هنا نقول بأن الأصل هو الحفاظ على النمط المعيشي في مجتمعنا، المهم أن يكون العمل متجهاً في خانة «التسهيل على المواطن»، وأن يتجنب أية عمليات «تضييق عليه»، مع العلم أن الإعلانات عن توجهات لفرض رسوم وغيرها يتم التعامل معها بديهياً على أنها عملية قائمة على معادلة من طرف واحد «الأخذ دون رد»، وهذا ما يجب تصحيحه إن كان هو التوجه.

اليوم وسط كل هذه المعمعة المالية من تحديات وضغوط ومتطلبات، مازلنا نبحث عن صوت يخرج للناس ويشرح لهم ما ينتظرهم مستقبلاً. كيف يفترض أن يكون التعامل مع أي موجة غلاء، أو زيادة رسوم. وهنا أعني التعامل من جانبين، تعامل شعبي، وتعامل حكومي. إذ هذا يرجعنا للفكرة أعلاه، بأنك حين تأخذ، لابد وأن تقدم في المقابل.

اليوم أغلب المواطنين ترسخت لديهم فكرة أن هناك رسوماً جديدة تطبق، وأن هناك عمليات ضبط إنفاق، وتقشف «رغم الحاجة الدائمة لبيان نتائج هذه العمليات»، لكن في المقابل لا يعرف المواطنون عن المرسوم والمخطط له بشأن أمور تمسهم مباشرة أيضاً في جانب رزقهم، إذ هناك خطة مدروسة ومحبوكة لزيادة المداخيل تتناسب مع الزيادة في الأسعار والرسوم؟! وهل هناك حزمة من الخدمات ستضاف لما تقدمه الدولة حالياً، وهل ستشمل الجميع باعتبار أن الرسوم ستطبق على الجميع؟! وهل المستقبل سيكون أصعب على أبنائنا والأجيال بعدهم، أم أن هناك سيناريو مختلف أفضل، سيكون نتيجة لإجراءات كثيرة ذكية في نتائجها معنية بتنويع مصادر الدخل وزيادة الإيرادات وانعكاساتها على تحسين حياة المواطن، بحيث يضمن العيش بكرامة دون ضيق؟!

هذه مسألة ليست جديدة الطرح، تطرقنا لها ومعنا الكثيرون، والهدف منها «إيضاح الصورة للناس»، وإبراز الجهود لحمايتهم، إن وجدت، إذ في النهاية لا أحد يمكنه نكران شدة وطأة الوضع الاقتصادي العالمي، لكن في ذات الوقت لا يمكن نكران وجود المخاوف الكثيرة لدى الناس.

التفكير في أية استراتيجيات، وأية حلول ومعالجات، وتبني أية مسارات، كلها أمور هامة للتعامل مع أية ظروف، لكن مهم أن يكون بموازاتها إشراك للناس في المعلومات وفي الاستشرافات المستقبلية، وفيما يمكن أن يمسهم ويؤثر عليهم، وما يحفظ حقوقهم.

افتحوا المجال للناس لتسأل، لكن المهم أن تكون هناك ردود في الطرف المقابل، توضح لهم وتبين لهم وتعلن لهم ما هو العمل الذي يتم القيام به، لضمان حقوقهم وتسهيل أمور حياتهم، باعتبار هذه المسألة من الأولويات التي تؤكد وتحرص عليها الدولة.