كم استصرخ المثقفون والمدافعون عن اللغة العربية عندما تأثر الشباب بلغات أخرى، وأطلقوا صفارات الإنذار عندما بدأت كلمات ومصطلحات من لغات أخرى تختلط باللغة العربية، وكلنا نعلم تأثير الدولة المستعمرة على اللغة العربية، فالدول التي استعمرت من فرنسا اختلطت لغتها بكلمات وتعبيرات فرنسية، والدول المستعمرة من بريطانيا اختلطت لغتها بكلمات إنجليزية، وهكذا تتأثر لغة الشعوب المستَعَمرة بلغة من يستعمرها، وكم شمر المثقفون عن ساعد الجد عندما بدأ الشباب يتعلمون لغات أخرى ويستخدمونها كغلة رئيسة في حياتهم اليومية، وزاد قلقهم وهبوا لنصرة لغتهم عندما استخدمت لغة المستعمر كلغة رئيسة في العمل، وفي التعامل مع المحلات التجارية والمطاعم، ويكبر الخطب عندما تكون اللغة الأجنبية هي لغة ألعاب الأطفال .

ولكن فليطلق المهتمون باللغة والمدافعون عنها صفارات الإنذار حيث بدأ يغزو لغة الشباب لغة غريبة مبتدعة لا أساس لها حتى أفسدت لغتهم الأساسية وهي اللغة العربية، وأفسدت اللغة التي اكتسبوها وهي اللغة الإنجليزية، إنها اللغة التي يستخدمها الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الرسائل الإلكترونية «SMS»، و«الواتس اب»، و«الشات» وغيرها. انتشرت هذه اللغة حتى اكتسبت اسماً محدداً وهو «عربيزي»: والعربيزي مزج لغوي غريب بين «عربي + إنجليزي»، يعتمد على الخلط بين المعاني والمصطلحات العربية والإنجليزية في النص الواحد أو كتابة جمل عربية بحروف إنجليزية، وقد انتشرت هذه اللغة حتى بين الشباب الذين يتقنون اللغتين العربية والإنجليزية، وقد ظهرت هذه اللغة «عربيزي» مع بداية ظهور تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي فهذه الوسائل لا يوجد بها خيار لاستخدام حروف اللغة العربية فالخيار الوحيد الذي أمامهم هي حروف اللغة الإنجليزية، كما أن عدد الحروف التي يمكن استخدامها في النص محدودة، لذا ابتكر الشباب هذه اللغة مضطرين فهم أمام تحدٍ لغوي كبير، كما استخدموا الأرقام لتعويض الحروف العربية غير المنطوقة في اللغات الإنجليزية ومثال ذلك :الرقم «2»، بدلاً عن حرف للهمزة، والرقم «3»، بدلاً عن حرف العين، والرقم «4»، بدلاً عن حرف الغين، والرقم «5» عوضاً عن حرف الخاء، والرقم «7»، عوضاً عن حرف الحاء، والرقم «9»، عوضاً عن حرف الواو، وغيرها، كما انتشر استخدام كلمات اللغة الإنجليزية بحروف لغة عربية مثل «أوكي» OK و«هاي» HI، كل هذا في سبيل تسريع نسق الكتابة والتخاطب بينهم. إن انفتاح الشباب العربي على غيره من شباب العالم، دفعه لاستخدام اللغة الإنجليزية في التواصل على مستويات مختلفة إما استخدامها في التحدث أو الكتابة أو الاستماع.

ويمكننا القول إن الشباب أصبح يستخدم لغة مُبَلَغة بين اللغة العربية واللغة الإنجليزية والخوف ألا يتقنوا هذا ولا ذاك، لغة غريبة فهل ستصمد ويواصل الشباب استخدامها رغم أن تقنيات التواصل الاجتماعي أصبحت تتيح الفرص لهم لاستخدام عدد أكبر من الحروف فلم يعد هناك حاجة للاختصار ولم يعد هناك حاجة لاستخدام الأرقام بدل الحروف غير الموجودة باللغة الإنجليزية. فرجاؤنا من الشباب الذين نشأوا في مرحلة سهولة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بألا يتأثروا بمن سبقهم من الشباب الذين اضطروا لاستحداث لغة «العربيزي»، فلم يعودوا بحاجة لهذه اللغة الممسوخة التي تذكرنا بمشية الغراب بعدما حاول تقليد مشية الطاووس فلم يتقن مشية الطاووس ونسي مشيته الأصلية فأصبح ذا مشية شاذة، وأصبح مضرب مثل للأجيال.

أنا لست من الرافضين لتعلم اللغات الأجنبية، بل إنني أرى بأهمية تعلمها، ولكن مع أهمية إتقان اللغة العربية، وعدم تشويهها، فيا شباب دعونا نهجر لغة «العربيزي».

فلا حاجة لكم بها اليوم، ولعلي في هذا المقام أُحي قصيدة حافظ إبراهيم، فهي تجمع ما أريد قوله من معاني، وكلي رجاء أن يدرك شبابنا معانيها، حيث قال:

وسعت كتاب الله لفظاً وغاية

وما ضقت به عن آي وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة

وتنسيق أسماء لمخترعات

انا البحر في أحشائه الدر كامن

فهل سألوا الغواص عن صدفاتي

فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني

ومنكم وإن عز الدواء أساتي

فلا تكلوني للزمان فإنني

أخاف عليكم أن تحين وفاتي

أرى لرجال الغرب عزاً ومنعة

وكم عز أقوام بعز لغات