* قوات الأسد تواصل حملتها على إدلب والسكان يضطرون للنزوح في طقس بارد

* الأمم المتحدة: هجوم إدلب شرد 60 ألف شخص منذ بداية نوفمبر الماضي

* جيش الأسد يتقدم نحو مطار أبو الظهور العسكري



دمشق - رامي الخطيب، وكالات

تتعرض محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، لهجوم شرس وغير مسبوق، من قوات الرئيس بشار الأسد، من الجهة الجنوبية خاصة من ريف حماة وبدعم إيراني، وغطاء جوي روسي كثيف أدى إلى خسارة المعارضة للكثير من مواقعها في المنطقة التي تعد المعقل الأهم للمعارضة السورية حيث تعد مدينة إدلب هي مركز المحافظة الوحيد الذي تسيطر عليه المعارضة في ذلك الوقت، في حين يمارس جيش الأسد سياسة الأرض المحروقة من اجل انتزاع معقل المعارضة الأهم على الإطلاق في سوريا.

من جانبه، اتهم محمد علوش قائد ''جيش الإسلام'' وأحد المفاوضين السابقين في وفد المعارضة إلى جنيف ''هيئة تحرير الشام'' بتسليم المناطق تباعاً لنظام الأسد حيث قال في تغريدة له: ''جاري تسليم إدلب من قبل الجولاني لمعلميه ولا عزاء لعميان البصيرة والحمقى''، في الوقت الذي تنفي الهيئة هذه التهم وتقول إنها تتراجع تحت تأثير الضربات الجوية الكثيفة من الطيران الروسي وفي ظل عدم تكافؤ القوة.

من جهة أخرى، أكدت مصادر مؤيدة لنظام الأسد، أن الهدف هو الوصول إلى مطار أبو الظهور العسكري، وبالتالي إنهاء المرحلة الأولى لمعركة إدلب والتي تهدف إلى السيطرة على شرقي سكة الحديد في ريف إدلب.

وقامت الكثير من فصائل المعارضة بالمشاركة في حملة صد الهجوم على ريف إدلب ووجهت قواتها إلى الجبهات رغم خلافاتهم السابقة والتي وصلت إلى حد الاقتتال.

وتكبدت قوات الأسد والقوات الرديفة التي تشاركها القتال خسائر فادحة في الأرواح والعتاد وعجت صفحات التواصل الاجتماعي المقربة من نظام الأسد بذكر من اسمتهم ''شهداء الوطن'' والذين سقطوا في معركة إدلب.

وقد أكد عقيد منشق عن جيش الأسد فضل عدم ذكر اسمه لشبكة ''بلدي نيوز'' أن تسليم منطقة شرق سكة الحديد هو صفقة روسية تركية على غرار صفقات سابقة في الباب وريف حلب الشمالي تقتضي بالصمت التركي عن سير المعارك في إدلب المشمولة باتفاق خفض التصعيد مقابل صمت روسي إزاء عملية تركية واسعة مرتقبة في منطقة عفرين الذي تسيطر عليه قوات كردية مناوئة لأنقرة، وبعد انتهاء معركتي إدلب وعفرين سيكون هناك ترسيم للحدود من جديد بين نظام الأسد والمعارضة تمهيداً لهدنة طويلة الأمد تنتهي بتسوية سياسية نهائية للحرب السورية.

في سياق إنساني، تسببت معارك إدلب الأخيرة بتهجير 60 ألف مدني من قراهم وتشريدهم في أرياف إدلب مع منع السلطات التركية دخولهم أراضيها وهم يعانون ظروفاً إنسانية سيئة في ظل الأحوال الجوية السيئة ونقص المؤن والقصف الشديد الذي تتعرض له قوافل النزوح التي لا تميز بين مقاتل ومدني.

وقد أحرز الجيش السوري تقدماً سريعاً في محافظة إدلب أكبر معقل متبق للمعارضة المسلحة في البلاد مما قربه من مطار عسكري رئيس تسيطر عليه قوات المعارضة. لكن هذا التقدم تسبب في تشريد عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يكافحون من أجل إيجاد مأوى في طقس شتوي شديد البرودة.

وتمكنت قوات الحكومة السورية، بدعم من مسلحين تساندهم إيران وقوة جوية روسية، من استعادة مناطق شمال شرق محافظة حماة وفي جنوب محافظة إدلب منذ بدء الهجوم أواخر أكتوبر.

ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن المعارك والغارات الجوية أجبرت أكثر من 60 ألف شخص على مغادرة منازلهم منذ الأول من نوفمبر تشرين الثاني.

وصعدت القوات السورية خلال الأيام الماضية حملتها العسكرية وتقدمت نحو مطار أبو الظهور العسكري الذي حاصره مسلحو المعارضة في 2012 قبل أن يتمكنوا من طرد قوات الجيش السوري منه بالكامل في سبتمبر 2015.

وقال قيادي في تحالف عسكري يقاتل دعماً لدمشق إن الجيش وحلفاءه يعتزمون السيطرة على القاعدة الجوية.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الجيش السوري وحلفاءه استعادوا نحو 84 قرية منذ 22 أكتوبر بينها 14 خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية.

وأضاف المرصد أن ضربات جوية مكثفة أجبرت مسلحي المعارضة على الانسحاب مما أتاح التقدم السريع للقوات الحكومية هذا الأسبوع.

وفقد الجيش السوري السيطرة على محافظة إدلب التي تقع على الحدود مع تركيا عندما سيطر مسلحو المعارضة على عاصمة المحافظة في 2015. وحالياً تلك هي المحافظة الوحيدة في البلاد الخاضعة بالكامل لسيطرة المعارضة.

والقوة المعارضة الرئيسة في المحافظة هي هيئة تحرير الشام وهي تحالف تقوده جماعة كانت تعرف بجبهة النصرة وكانت تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا.

وقال مصدر عسكري سوري إن جبهة النصرة وحلفاءها هم هدف العملية العسكرية شمال شرق حماة وفي جنوب شرق إدلب.

وأضاف "عمليات الجيش مستمرة والجيش يحقق تقدما وخسائر الإرهابيين كبيرة في المنطقة".

وتقع إدلب ضمن مناطق حددتها روسيا من أجل "خفض التوتر" بقصد تهدئة حدة القتال غرب سوريا. كما توجد قوات تركية شمال محافظة إدلب أيضاً في إطار اتفاق لعدم التصعيد أبرم مع إيران وروسيا حليفتي الأسد.

وقال المصدر العسكري "إذا كان فيه هناك مناطق خفض التوتر فلا تشمل أبداً جبهة النصرة في المطلق.. جبهة النصرة هي الحقيقة المسيطرة على إدلب بشكل كامل".

كما تتعرض هيئة تحرير الشام لهجوم أيضاً من مسلحي تنظيم الدولة "داعش"، الذي يوسع سيطرته على جيب صغير شمال شرق حماة وهو متاخم لجيب في إدلب. ويحاول التنظيم توسيع نفوذه هناك منذ طرده الجيش السوري من وسط البلاد في أكتوبر العام الماضي.

وقال مصطفى الحاج يوسف وهو مدير الدفاع المدني في إدلب، وهم منقذون يعملون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في البلاد، "ما بعرف وين "أين" مناطق خفض التصعيد في الموضوع؟ إذا كان أعداد شهداء ونازحين وجرحى وتهديم المنازل في ازدياد.. وضرب مدنيين واستهداف المدنيين بنسبة كبيرة جداً... ولا كأنه في خفض تصعيد ولا شي".

وقالت الأمم المتحدة إن وضع المدنيين المشردين مؤخراً بسبب القتال في إدلب "صعب" حيث تواجه وكالات الإغاثة صعوبات في الوفاء باحتياجاتهم.

وقال يوسف إن الفارين من الضربات الجوية المكثفة والقصف على جبهات القتال يعانون من حملات جوية في عمق المحافظة.

وأضاف أن المنطقة ليس بها مخيمات كافية لاستيعاب تدفق النازحين وحذر من أن تقدم الجيش ووصوله لمطار أبو الظهور وما يليه من مناطق سيؤدي إلى أن "حركة النزوح راح تصير أضعاف".

وقال "أغلبهم يفترشوا الأرض عبارة عن شوادر "خيام" لا تقيهم لا المطر ولا البرد.. فيه ناس معها "نقود"، ممكن تستأجر استأجرت لكن الإيجارات كمان "أيضاً" مرتفعة جداً".

ومحافظة إدلب ملاذ لعشرات الآلاف من مسلحي المعارضة والمدنيين الذين اضطروا لترك منازلهم في مناطق أخرى في غرب سوريا استعادتها الحكومة السورية وحلفاؤها.

كما كانت هدفاً لغارات جوية روسية وسورية مكثفة قتلت آلافاً من المدنيين ودمرت مستشفيات ومراكز للدفاع المدني.

وتواجه المجتمعات والمخيمات هناك، التي تستضيف بالفعل آلاف النازحين، صعوبات لاستيعاب مزيد من الوافدين.

وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس لايركه إن 55% من التجمعات السكانية في محافظة إدلب مثقلون بالأعباء. وفي نحو 10% من تلك التجمعات يشكل النازحون أكثر من 70% من إجمالي عدد السكان.

وأشار المكتب إلى أن المعارك أجبرت بعض منظمات الإغاثة على وقف عملها في مناطق بجنوب إدلب.

وقالت كريستي ديلافيلد من مؤسسة "ميرسي كوربس"، وهي إحدى أكبر المنظمات التي تقدم مساعدات في سوريا "الغذاء هو أهم ما يحتاجه الناس الذين يكافحون للبقاء في هذا الجزء من سوريا. ونظراً لتشردهم أكثر من مرة بسبب الصراع فقد استنزفت مواردهم ولم يبقَ لهم سوى القليل من الخيارات أحلاها مر". وأضافت "لا يبدو لنا أن الأمور ستكون أسهل في أي وقت قريب".