يعتبر ديوان الرقابة المالية والإدارية من أهم ثمرات المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، وقد قام السيد حسن الجلاهمة رئيس ديوان الرقابة وأعضاء فريق عمله -من بينهم الدكتور أحمد البلوشي وكيل ديوان الرقابة السابق- بجهودٍ كبيرة في وضع اللبنات الأولى لهذا الجهاز الحيوي، وتسيير أعماله وفقاً للمعايير المتعارف عليها دولياً. إلا أن عدم قيام عددٍ من الجهات -الخاضعة لرقابة الديوان- بتنفيذ ما جاء في التقارير السابقة لديوان الرقابة من ملاحظات مازال يشكل أهم تحدٍ أمامه رغم صدور توجيهات قيادتنا الرشيدة بالتعاون مع هذا الجهاز والأخذ بملاحظاته. فلا يمكن لأية جهةٍ مخالفة أن تتصرف ككيانٍ مستقل لأن ذلك يتنافى مع توجه الدولة نحو حوكمة الوزارات والمؤسسات الحكومية. ومن التحديات الأخرى التي يواجهها ديوان الرقابة -في نظري- استعجال بعض الجهات في اتخاذ الخطوات الممهدة لإصدار تشريعات معينة أو المصادقة على معاهدات دون توفير أرضيةٍ صلبة لتنفيذ أحكام تلك التشريعات والمعاهدات في حال نفاذها، مما يعزز احتمالية تضاعف نسبة المخالفات التي ترتكبها تلك الجهات.

وقد كثر الحديث خلال السنوات الماضية حول احتمالية رفع سن التقاعد وفرض ضرائب من بعد الضريبة الانتقائية، وهذان الأمران يشكلان هاجساً لدى المواطن خاصةً إذا كان من ذوي الدخل المحدود. وبالرغم من وجود تباين في الآراء حول هاتين المسألتين، إلا أنه من المعلوم أن كل دولة تمر بتقلبات اقتصادية تمس ميزانيتها ومواردها وكذلك المزايا التي تُمنح للمواطنين، لذا فإن بناء الثقة بين الدولة ومواطنيها في ظل الظروف الاقتصادية القائمة وضمان استغلال إيرادات الدولة من الضرائب وغيرها لتطوير المرافق والخدمات للجمهور له ضرورياته، وهنا تأتي أهمية دور ديوان الرقابة في خلق مؤشرات متقدمة وفعالة لمكافحة الفساد وحماية المال العام، وضمان عدم التحييد عن المسار الذي حدده المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله.

ومن البديهي أن يتعرض أي تشريعٍ إلى تعديلات تبعاً للمشاكل العملية التي تحول دون أداء المؤسسة لمهامها بالشكل المطلوب، وعليه نرى تعديل بعض أحكام قانون ديوان الرقابة -الصادر بالمرسوم بقانون رقم 16 لسنة 2002- بحيث يُمنح موظفو ديوان الرقابة صفة مأموري الضبط القضائي، وذلك بالنسبة للجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة كالرشوة واختلاس المال العام واستغلال الوظيفة، على أن يتم التنسيق مع الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني بوزارة الداخلية بهدف تبادل المعلومات والمساعدة الفنية وفقاً لآليات يتم الاتفاق عليها.

ونرى إضافة فقرة جديدة في المادة «15» من القانون سالف الذكر تنص على إنشاء لجان تأديبية، بحيث تضم كل لجنة أعضاءً يمثلون ديوان الرقابة وهيئة التشريع والإفتاء القانوني، وتختص بالنظر في المخالفات الجسيمة التي تُرتكب في الجهات الخاضعة لرقابة الديوان، وذلك دون الإخلال بأحكام قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية. ويحق للموظف الذي تمت محاكمته تأديبياً الطعن في قرار اللجنة التأديبية أمام المحكمة المختصة.

ونرى أيضاً أن المشاركة في الدورات وورش العمل ذات الصلة وكذلك الإلمام باللوائح الإدارية والمالية للجهات الخاضعة للرقابة لا يكفيان للحد من زيادة المخالفات الإدارية والمالية، إذ لا بد من تعزيزهما بعاملٍ آخر يتمثل في وضع آليةٍ حازمة -في كل جهة- لتعزيز الرقابة الذاتية.

إن تطوير ديوان الرقابة مهمٌ جداً لأن الرقابة من المرتكزات الأساسية لأي إصلاحٍ إداري، فالمرتكزات الأساسية للإصلاح الإداري في المؤسسة هي: التجديد، والثقافة، والانضباط، والرقابة.