أجريت بحثاً مع الأخ غوغل رضي الله عنه من هي أكثر الشعوب تنكيتاً في أزماتها؟ هل مازال الإخوة المصريون يتربعون على عرش النكتة السياسية؟ أم إن النكبات التي تتالت على الأمة العربية فجرت ما في دواخلهم وتنافس شعب عربي آخر على الصدارة مع الشعب المصري؟

وجدت عند العراقيين والسودانيين واللبنانيين والسوريين والمصريين نكات متشابهة وأكثرها تداولاً بين الشعوب نكتة الفيل الطائر المعروفة، وجدت أن النكتة تزدهر في زمن انعدام الحيلة وضيق الصدر عند السلطات بالاستماع للآراء الجادة، فيلجأ الناس للأسلوب الساخر تنفيساً وتعبيراً عما يريدون قوله بأسلوب جاد، لكن حين لا يجدون أحداً يستمع لهم يلجؤون للنكتة، وربما لأنهم يعاقبون إن هم تحدثوا بأن يؤجر سقط الناس كي يقذفوهم ويشهروا بهم إن هم فكروا بالتعبير عن رأيهم المعارض! اختلفت الأساليب وضيق الصدر بالنقد واحد.

أساليب كثيرة تعددت من دولة عربية لأخرى تتحدث عن النكتة كأداة سياسية لمواجهة الأزمات.

لعادل حمودة الصحافي المصري كتاب مشهور اسمه النكتة السياسية جمع فيه عدداً كبيراً من النكات السياسية، فقال عن زمن السادات انتشرت نكتة تقول: «مرة رجل وقف في الشارع وقال بصوت عالي: منك لله يا عبدالستار.. راح مخبر ضربه على قفاه وقال له: وكمان مش عارف اسم الريس».

لكن النكتة الأشهر في عهد ناصر هي أن «مواطناً قاطع الرئيس جمال عبدالناصر، عندما كان يخطب في الجماهير، قائلاً: يا ريس عايزين نعرف فين مجوهرات أسرة محمد علي، وفلوس الحراسات وصفائح الذهب اللي جت من اليمن؟ فقال له عبدالناصر: هرد عليك بعد الخطاب، تعال اطلع عندي. وفي نهاية الخطاب، قاطعه مواطن آخر: يا ريس عايزين نعرف فين مجوهرات أسرة محمد علي، وفلوس الحراسات، وصفائح الذهب اللي جت من اليمن، والمواطن اللي طلع عندك من شوية». انتهى الاقتباس

وهناك نكتة مشهوره في دولة عربية «جلس رجل في أحد المقاهي الشعبية المكتظة وهو يحدث الناس ويقول لهم أزمة الخبز بسبب الرئيس، أزمة السكر بسبب الرئيس أزمة المواصلات بسبب الرئيس وهكذا إلى أن دخل رجال المخابرات واقتادوه وغاب عدة أيام ورجع لذات المقهى ورجله كانت ملفوفة بالجبس وعصابة على رأسه وفكه مخلوع، وكان المقهى يوزع مشروبات مجانية في ذلك اليوم فسأل لماذا الاحتفال فأجابوا إن زوجة الرئيس حامل، فهل عندك تعليق على الموضوع فصرخ الرجل بسرعة وتلقائية «مش من الرئيس»!! طبعاً المرحوم كان رجل طيب وله حسناته كثيراً لكنه كان متسرعاً بعض الشيء»!

أما إخواننا في اليمن فقد كتب عبدالوهاب الروحاني مدير مركز الدراسات في صنعاء ووزير الثقافة السابق مقالاً في الشرق الأوسط عن النكتة في مواجهة الأزمات، فقال: «شاعت النكتة السياسية في اليمن مع أول رئيس للجمهورية المشير عبدالله السلال، الذي عرف بحبه للدعابة وقول النكتة، كما شاعت في ظل الرئيسين علي عبدالله صالح، وعبدربه منصور هادي، اللذين نالا قصداً وافراً من... ومن أبرز النكات التي قيلت في مواجهة الأزمة اليمنية عن سيطرة الحوثيين على الرئاسة وخروج هادي من صنعاء إلى عدن وبدء ممارسته صلاحيات رئيس جمهورية بعد استقالته فقالوا: «إن بنعمر اعتلى منبر الجمعة خطيباً فقال: أبشروا يا أبناء اليمن.. فإن بعد العسر يسراً، كنتم دون رئيس، ودون حكومة، وبعاصمة واحدة، واليوم مَنّ الله عليكم برئيسين وحكومتين، وعاصمتين، فأبشروا بعدها بمرتبين «معاشين»، وبدولتين، واثبتوا إن الأحزاب من أمامكم، والأمم المتحدة من ورائكم»، وفي التعليق على إغلاق بعض السفارات العربية والغربية في صنعاء تداول اليمنيون عبر وسائط التواصل الاجتماعي نكتة تقول: «إن الخارجية اليمنية تدعو مواطنيها إلى مغادرة البلاد حفاظاً على أمنهم وسلامة أسرهم، ويحذرون رعاياهم من السفر إلى اليمن».

وهكذا تتجلى النكتة السياسية في ظل الأزمة اليمنية، وتعالج بعضاً من معاناة الناس وسخطهم على مجريات الأحداث وفوضى الحياة السياسية والعامة، فالنكتة السياسية تظهر عادة في المجتمعات نتيجة فشل السياسات العامة للدولة». انتهى الاقتباس

خلاصة القول، شعب البحرين الذي لم يعرف عنه أبداً أنه صاحب نكتة لكنه في السنوات الأخيرة أصبح يفجر إبداعاته الجميلة وأصبح خفيف الدم، فهل بدأ الشعب البحريني يدخل ضمن قائمة الشعوب خفيفة الظل؟