ما أكثر الإعلانات التي تصلنا على وسائل التوصل الاجتماعي من مصادر غريبة أو نجدها على شاشات بعض القنوات التلفزيونية والتي تتضمن دعاية وترويجاً للاستعانة بالسحر والشعوذة لحل المشاكل الاجتماعية، وربما لعلاج الأمراض الجسدية منها والنفسية، فجميعنا استلمنا مثل هذه الإعلانات مثل، جلب الحبيب للشيخ.......، أو سحر رد المطلقات......، أو إبطال السحرفي أسبوع أو فك السحر بسعر مخفض أو.... او......، والكثير الكثير من الإعلانات التي تدعو وتشجع وتروج للتعاطي بالسحر والشعوذة والاستعانة بهما، كما كثر انتشار حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي تسهل التواصل مع المشعوذين والسحرة، حتى أصبحت هذه الحسابات مصدراً للقلق والخوف من تأثر البعض بها، والاستفادة منها تحت ضغوط نفسية أو تأثير وإقناع بعض المروجين لها، فتلك الحسابات أصبحت في متناول الجميع وتصل إلى كل بيت، ولا نجد هذه الظاهرة في حسابات التواصل الاجتماعي فقط، بل حتى على الصعيد الواقعي فنجد من يلجأ لبعض من يدعي علاج العلل الجسدية أو النفسية بالسحر والشعوذة، وتكمن المشكلة أن الكثير يخلط بين العلاج بالرقية الشرعية أو العلاج بالشعوذة.

نعم، لا خلاف على جواز الرقية الشرعية فلقد استدل العلماء على مشروعيتها، فالعلاج بالرقية قد ثبت في السنة النبوية الشريفة بصحيح النصوص، ولكن للأسف استغل البعض الرقية الشرعية ودس فيها بعض الخرافات والخزعبلات والسحر والشعوذ وبدأت هذه المظاهر تنتشر في المجتمع بدرجة تجعلنا نقلق من انتشارها ونخشى من تحولها لظاهرة، أو انتشارها كثقافة في المجتمع كما هو الحال في بعض المجتمعات الأخرى في بعض الدول، ولعل الدافع الحقيقي وراء الترويج لهذا النوع من العلاج هو الكسب المادي فمن يعمل في هذا المجال يتحول إلى مليونير بين ليلة وضحاها، فهم يجنون الآلاف في وقت قصير وبجهد بسيط، فلا يتطلب الأمر سوى مهارة الإيحاء والتأثير على الناس.

نعم، لا خلاف على جواز العلاج بالرقية الشرعية، ولكن المشكلة تكمن في انتشار الأخطاء في التعامل بالرقية الشرعية، فالبعض هداهم الله وأصلح بالهم يشخص كل مرض جسدي أو نفسي أو يعلل سبب كل مشكلة اجتماعية أو خلاف بين زوجين على أنه مس من الجن، فيوحي للمريض أن الجن قد تلبسه وعليه أن يقوم ببعض الطقوس ليخرج الجن من جسده، فيقنع المريض بذلك حتى يصدقه ويثق به ويخضع له، فيعالجه بطرق غريبة شاذة غير مقبولة شرعاً في عدة جلسات، ويدفع المريض مقابل كل جلسة مبالغ مالية كبيرة. فيقع المريض فريسة لجشع هذا المعالج أو ـ من يدعي العلاج إن صح التعبير ـ وليس المشكلة في ابتزاز المريض فقط ولكن البلاء يكمن في الإيحاء النفسي الذي يقع فيه المريض وأهله حتى يصبح فريسه الأوهام والوساوس التي تجره وأهله إلى المتاعب. يا لها من تجارة سهلة سريعة الربح!!

نعم، لا خلاف على جواز العلاج بالرقية الشرعية، ولكن هل يجوز طلب المال ودفع ثمن للراقي حتى وإن كانت رقيته شرعية مجازة؟ فأحياناً يطلب الراقي من المَرقي مبلغ من المال، فتصور أنك تشتري كأسا من العسل أو قدحا من الماء أو خلاصة أعشاب طبيعية مغلية قرأ عليها مقابل مبلغ يزيد عن المئة دينار تلك أسعار خيالية تنافس العلاج الطبي العلمي!! كل هذا باسم الرقية الشرعية، وقد يختلف العلماء في جواز أخذ الأجر مقابل الرقية الشرعية، وهل يدفع الأجر مقابل العلاج فقط أم يشترط الشفاء لاستلام الأجر سأترك معالجة هذا الموضوع لأهل الاختصاص، ولكن إن أجيز أخذ الأجر مقابل الرقية أرى أنه يجب الرقابة والتنظيم لهذا المجال تجنبا لسوء الاستغلال والمبالغة في الأسعار، كما يجب الرقابة لتجنب خلط الرقية الشرعية بالسحر والشعوذة، أما الحسابات الإلكترونية والقنوات التلفزيونية التي تروج للسحر والشعوذة فالجميع يتمنى حصرها ووقفها. والأهم من هذا وذاك لابد من توعية الناس للتفريق بين الرقية الشرعية والشعوذة ومنع ووقف كل من يستخدم أساليب خاطئة ويستغل الناس.

وهنا تذكرت جداتنا وأجدادنا عندما كانوا يتعالجون لدى معالجين بالطب الشعبي أو بالرقية الشرعية مجاناً، وكم كنا نسمع جداتنا يروين لنا مواقف لمعالجين يرفضون قبض ثمن مقابل العلاج ويرفضون حتى العطايا والهدايا من المرضى، فهم مؤمنون أن العلاج لا يصلح ولا يشفى المريض، إن لم تكن نيتهم خالصة لوجه الله، طلبا للأجر والثواب من المولى عز وجل، مقابل علاجهم للمرضى وليس طلباً لمكاسب مادية. فرحم الله زماناً كان الناس يعالجون فيه طلباً للأجر والثواب وليس تكسباً للمال، رحم الله زماناً كان رقيبهم على العلاج الذي يقومون به القيم والأخلاقيات فهي تحكم تصرفات المعالج فرقابتهم ذاتية، رحم الله زماناً كان التكافل الاجتماعي سلوكاً ومبدءاً لا يحيد عنه أهلنا.