في عام 1979 انتصرت الثورة الإسلامية في إيران وسيطر الخميني على السلطة، في ذلك الحين كان يتوفر في إيران جهاز استخباراتي أمني قوي لا يقل مستوى عن أشهر الأجهزة الأمنية في العالم يسمى «السافاك»، عناصره نتاج تدريب امتد منذ تأسيسه في عام 1957 على يد المخابرات المركزية الأمريكية ثم الموساد الإسرائيلي بمجموع 21 سنة عمل متواصلة، وكان مسيطراً على إيران ويعرف كل شيء عن كل شيء وكل مواطن إيراني وكل مقيم وزائر، بل يعرف «دبة النملة» وكان يرفع تقاريره إلى الشاه مباشرة، لهذا فإن السؤال الذي لا بد أنه طرح، وينبغي أن يطرح الآن أيضاً، هو هل يعقل أن السلطة الجديدة في إيران – سلطة الثورة الإسلامية – فرطت في ذلك الجهاز رغم علمها بقدراته وتأكدها من أنها يمكن أن تستفيد منه استفادة عظمى لو تركته يواصل العمل ولكن لمصلحتها؟

السؤال في صيغة أخرى، هل استمر السافاك يعمل في السر لخدمة الحكام الجدد ولكن بتسمية أخرى؟ أم أن فرحة بلوغ السلطة جعلتهم يفرطون فيه؟ وإذا كان هذا الأمر الأخير هو الذي حصل فهل يعقل أن الحكام الجدد لم ينشئوا جهازا مماثلاً للسافاك طوال العقود الأربعة الأخيرة التي سيطروا فيها على كل شيء في إيران وأحكموا قبضتهم خلالها؟ وإذا كان هذا صحيحاً فكيف إذن سيطروا على شعب قوامه عشرات الملايين ويؤمن بأن الحكام الجدد اختطفوا الثورة ويتخذ أغلبهم منهم موقفاً سالباً ويعمل على الإطاحة بهم ليل نهار؟

ما لا يمكن للعقل تقبله هو أن تكون السلطة الحالية في إيران عملت طوال هذه السنين ولا تزال تعمل من دون «السافاك» أو على الأقل من دون «سافاك» خاص بها استفاد من ذلك «السافاك»، وما لا يمكن للعقل أن يتقبله هو أن تكون أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية التي أنتجت «السافاك» وصرفت عليه ببذخ أكثر من عشرين عاماً قد سلمت بنهايته وسكتت عن الأمر. وإذا كان هذا بالفعل هو ما حدث فأين ذهب المنتمون إلى هذا الجهاز الفتاك؟ هل يمكن أن يكونوا قد تحولوا جميعهم إلى مناصرين وداعمين للسلطة الجديدة أو أعدموا؟

كانت إيران في زمن الشاه تتعاون مع إسرائيل التي اعترفت بها في عام 1960، وكان «السافاك» هو الجسر الموصل بينهما، فهل انتهى بالفعل التعاون بين إسرائيل وإيران والمراكز الجاسوسية للدولتين مع انتصار الثورة الإسلامية وسقوط حكومة بهلوي، كما يقول إعلام الحكام الجدد ويروج؟ بمعنى هل بالفعل صارت إيران الإسلامية تعتبر إسرائيل عدوها الأول في المنطقة؟ هل تقوم بالفعل بمكافحة إسرائيل ومناصرة وحماية الفلسطينيين كما تدعي دائماً؟

الشاه محمد رضا بهلوي حكم إيران وسيطر على الشعب الإيراني بالنار والحديد وبأجهزة المخابرات التي منها «السافاك»، فهل سيطر الحكام الذين كانوا جدداً في ذلك الحين على الشعب الإيراني وحكموا إيران باللطافة؟ لا يوجد دولة في العالم تستطيع الاستمرار من دون أجهزة أمنية ومخابراتية، فأي جهاز هذا الذي تعتمد عليه إيران الحالية ويجعلها قادرة على السيطرة على شعب يرفضها ويعمل على إسقاط النظام في الداخل والخارج؟ المهووسون بالنظام الإيراني الحالي يرفضون بالطبع فكرة تعاونه مع إسرائيل وفكرة اعتماده على جهاز أمني مخابراتي مثل «السافاك» الذي كان يعتمد عليه شاه إيران، ولا يقبلون التشكيك في سلوكه، ففي نظرهم هو النظام الأكثر نقاوة في العالم والأكثر التزاما بتعاليم الإسلام وأنه المثال والنموذج، لكن كل هذا لا يمنع من طرح كل تلك الأسئلة بقوة، فحكام إيران ليسوا ملائكة، وخلال الحرب العراقية الإيرانية أصدروا فتوى بحلية شراء الأسلحة من إسرائيل.