أتصفح بالأمس بعضاً من جرائدنا، أقلب في البرامج التلفزيونية، وأقرأ باستغراب جدول أعمال مجلس الشورى، إذ وسط كل هذه الأشياء، لا أجد أن أحداً يكاد يكترث لما يتحدث به الناس هذه الأيام، وكأنه لا شيء حاصل يمس الناس.

حديث الساعة عن رفع سعر البنزين، وعن الوضع الاقتصادي، وما يدور في مجالس الناس وفي وسائل التواصل الاجتماعي أمور يفترض أنها هي التي تتصدر الواجهة في كل وسيلة إعلامية، باعتبار أن الإعلام هو «الناقل» لنبض الناس، لكنني والله أستغرب.

الاستغراب من منطلق أنه لا يعقل عدم التفات أحد للمواطن لمعرفة رأيه، أو أقلها منحه المساحة للتعبير عن رأيه، عبر مبادرات تفتح له المجال خاصة وأن القنوات الأخرى المعنية ممثلة بالسلطات تعمل بمعزل عنه، وتكتفي ببيانات رسمية تقول إن المواطن موضع الاهتمام.

لا نحتاج اليوم لتأكيد هذه النقطة، فالمواطن هو الأساس، وهو الشعار الذي يردده جميع المسؤولين، وبشأن التطورات الأخيرة، ندرك أن هناك لجنة شكلت، وحراكاً يفترض أن يحصل، نتائجه يترقب أن تجلب نوعاً من الرضا لدى الناس، لكنني هنا أتحدث عن هذا المواطن، الذي يجب أن نسمعه حين يشكو، الذي يجب أن يؤخذ ما يعبر عنه مأخذ الاهتمام ويوضع بعين الاعتبار.

بعض النواب «غسلوا» أيديهم من الوضع، وسلموا بأن لا حول لهم ولا قوة، ووصل الحال ببعضهم إلى التحول على «الصامت»، بحيث بات صوت المواطن حين يكتب في وسائل التواصل الاجتماعي وحين يتصل بالإذاعة «أقوى» و«أعلى»، إذ بعض النواب وكأن الأرض انشقت وبلعتهم، رغم أنهم المفترض أن يتصدروا المشهد.

لا أتحدث هنا عن الاقتراح بصفة عاجلة بإلغاء رفع سعر البنزين، إذ يعرف النواب أنفسهم أن عشرات من الاقتراحات لم تر النور، وأن مجرد تقديمها ورفعها تحول إلى «فرض كفاية» ليقال للناس ها نحن تكلمنا وأخذنا موقفاً، في حين أن اللازم الآن أن يفتح كل نائب مجلسه، وأن يستقبل ناخبي دائرته، وأن يكاشفهم ويتحدث معهم عن تطورات الأوضاع الاقتصادية، وأن يتعهد لهم بأنهم سيتحرك لأجل إيصال صوتهم وحفظ مكاسبهم، لا أن تغلق المجالس والهواتف ويختفي بعض أصحاب السعادة من على وجه الأرض.

بعض جمعيات المجتمع المدني عادت لممارسة عادتها «الموسمية» بإصدار بيان ومن ثم «السلام»، فقط حتى لا يقال بأنكم من مشينا وراءكم، فأصبحتم اليوم وراءنا تبطئون الخطى، حتى بات الناس بمعزل عن هذه الجمعيات الوطنية التي يفترض أنها تتصدر المشهد وتقود الرأي العام، وتمارس الضغط على السلطات التنفيذية والتشريعية.

وتعمدت هنا الإيضاح بأنها «جمعيات وطنية»، لأن المتصيدين في المياه العكرة كثر، خاصة أولئك الانقلابيين الذين يسعون اليوم لإذكاء النار أكثر، وكأنهم يشمتون بالمواطن البحريني على ما يعانيه من أوضاع اقتصادية صعبة، وكأن أتباعهم ليسوا بحرينيين ولا يجري شيء عليهم مما يحصل. تلك الجمعيات الانقلابية وعناصرها عليهم «الخرس» اليوم، فلسنا نرتجي حلولاً ممن باع وطنه في أوقات الرخاء والاستقرار لعدو أجنبي، ليأتي اليوم ليستعرض وكأن بيده مفاتيح كل شيء والحلول القاطعة.

الشارع لا بد أن يكون له حراك، ولا بد من إيصال صوت الناس، لأن ترك الأمور بهذه الصورة، يدفع بها للنسيان، ويفرض على الناس تقبل الواقع على مضض، بالتالي أية معالجات وحلول لاحقة لن تكون بالمستوى المأمول.

صوت الناس أمانة، لا أحد يخنقه اليوم، لكنْ هناك كثيرون يتجاهلونه، وهذا خطأ جسيم.