القول بأن سينا أو صاداً أو عيناً من الذين أسسوا لأنفسهم جيداً في لندن أو في أي عاصمة أجنبية وتمكنوا وامتلأت جيوبهم لم يهتموا بالشباب الذين لجؤوا إليهم طلباً للمساعدة واكتشفوا حينها أنهم إنما يستغلونهم لمصلحتهم وأن الشعارات التي يرفعونها وظلوا يعتقدون أنهم صادقون في رفعها ومؤمنون بها ليست إلا وسيلة للضحك على ذقون الآخرين وابتزازهم وإظهار أنفسهم على أنهم «مناضلون وداعون إلى تأسيس حياة حرة كريمة ومبشرون بمدينة فاضلة»، هذا القول ليس بغريب لأنه بالعقل لا يمكن لأولئك أن يعطوهم هكذا من دون مقابل، فالطبيعي هو أن يستغلوهم. يكفي أنهم يعرفون أن الشعارات التي يرفعونها لا مصداقية لها على أرض الواقع وأنها وسيلتهم للتمكن وللتحكم في المخدوعين بهم. لهذا فإن الحديث الذي انتشر أخيراً عن المدعو سعيد الشهابي وأنه يعيش على دماء الشباب ويتاجر فيهم ليس غريباً ولا مدهشاً، فهذا هو الوضع الطبيعي، سواء بالنسبة لهذا الشخص أو غيره من الذين تمكنوا من بيع الشعارات وقدموا أنفسهم على أنهم معارضون وداعون إلى الحريات، لهذا فإنه ليس من العدل لومهم حيث اللوم يقع على من سلم نفسه وعقله إليهم وظن أنهم مفتاح الحياة المثالية التي يبحث عنها، والتي خدعوه بها.

ما يفعله أولئك الذين اختاروا العيش في الخارج وطرحوا أنفسهم على أنهم «معارضون» لا يتجاوز رفع الشعارات والتغريد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولأنهم يعلمون أنه ليس في هذا أي خطر عليهم وعلى عيالهم لذا فإنهم يكثرون منه ويحرضون الآخرين ويدفعونهم إلى مواجهة الصعوبات على اختلافها والتصادم مع قوى الأمن. أما المخدوعون بهم فلا يكتشفون أنهم كذلك إلا بعد أن يصيروا في الموقف نفسه الذي صار فيه أولئك الشباب الذين ظلوا يعتقدون أنهم عندما يصلون لندن سيتلقفهم الشهابي ومن معه وسيتغير حالهم إلى أحسن حال، قبل أن يكتشفوا الحقيقة المؤلمة والتي ملخصها أن من اعتبروهم مثالاً إنما يعملون لمصالحهم الشخصية وأنهم ليسوا من الذين يمكن الاعتماد عليهم وأن كل الذي ظلوا يقولونه يدخل في باب «جر الرجل»!

المؤلم أكثر في هذا الذي تم تناقله هو أن المهووسين بالشعارات التي يرفعها أولئك لن يصدقوه وسيعتبرونه محاولة للإساءة لذلك الشخص ومن معه ومحاولة لتشويه سمعة «المعارضة» في الخارج. هؤلاء سيظلون غير مصدقين حتى يتبينوا الحقيقة بأنفسهم عندما يصيرون في الموقف نفسه الذي صار فيه أولئك الشباب الذين اضطروا للكتابة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعدما صعقوا مما رأوا ومما اكتشفوا.

عيب هؤلاء هو أنهم لا يقرؤون وتنقصهم الخبرة الحياتية التي تعينهم على التمييز بين الغث والسمين، ولهذا فإنهم ينقادون بسهولة ويعتقدون أن أولئك الذين «ضبطوا أمورهم» في الخارج صادقون في ما يرفعونه من شعارات وما ينشرونه من تغريدات وأن قلوبهم عليهم، فينفذون كل ما يصلهم من تعليمات من دون مناقشة، ولا يشكون في سلوكهم وفي توجههم، فـ«المناضلون «يبقون «مناضلين» حتى لو امتلأت جيوبهم وعاشوا الحياة الباذخة!

أولئك الذين اختاروا العيش في الخارج وذاقوا وعيالهم الحياة الهانئة لا يمكن أن يقدموا لضحاياهم شيئاً، ولولا أن الاستمرار في رفع تلك الشعارات الرنانة والتغريد بما يجد هوى لدى البعض في الداخل يضمن لهم تدفق الأموال من المصادر التي صاروا يعتمدون عليها لتوقفوا عن كل هذا منذ زمن، فهم يدركون أن الذي يقومون به غير مجد ولا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع.

هؤلاء سيتوقفون عن كل هذا الذي يقومون به حالياً عندما يتوقف ما ظل يصلهم من تلك المصادر، ومع هذا سيظل المهووسون بهم في الداخل يصدقونهم ويوجدون لهم ما يحتاجونه من مبررات!