تميزت بملامحها العربية الأصيلة، وشعرها الأشقر المتموج الذي تتهافت على مثله القلوب في وطننا العربي. كل الصفات كانت تؤهلها لأن تكون نجمة في عالم الموضة والجمال، كان من السهل على بنت مثلها أن تختار الرحيل من أرض متشبعة بالدماء، نحو عالم أرحب وأجمل في بلد حر وآمن ومرفه، ولكنها اختارت النضال رافعة شعار «إما النصر أو الشهادة». كلنا نرقب بإكبار ذلك الكفاح الفلسطيني المتأصل في نفوس الشعب الفلسطيني الحر، ذلك الكفاح المتوارث والجاري في دمائهم الطاهرة حتى ضمن استمرارية وديمومة بقائه في الجين الفلسطيني جيلاً بعد جيل. لكننا اليوم نقف أمام نموذج قلّ نظيره حتى في وسط زحام المناضلين الفلسطينيين الشرفاء، أمام طفلة راهن عليها العالم لما أمدها به الله من قوة وبسالة يفتقر إليهما كثيرون في كافة أصقاع الأرض، فـ«عهد التميمي» منذ طفولتها لم تمثل جيلها وأطفال بلدتها وحسب، وإنما مثلت شعباً كاملاً لم تستطع على تمثيل قضاياه حكومته ولا أنظمة الدول من حوله، تبنت النضال الفلسطيني الممتد لأعماق التاريخ بصورة جديدة أثبتت أن الحرية والكرامة الإنسانية فطرة قبل أن تكون ثقافة تكتسبها الشعوب من حضاراتها السابقة أو الخبرات المتناقلة إليهم عبر الأسرة والمدرسة وغيرها. عهد التميمي البالغة من العمر السادسة عشر عاماً أصبحت نموذجاً فريداً للنضال والعروبة والأصالة والتمسك بالهوية والحق والشرف، بجرأة قل نظيرها، أثبتت قدرتها على مواجهة رشاشات الموت بقلب أسد رغم ملامحها الطفولية البريئة، وتحولت من طفلة ككل الأطفال الباحثين عن المرح واللعب إلى أيقونة عربية مشرفة، يؤكدها حجم المتابعين لها، وقبل ذلك اقتدارها في مواقف هزّت رجالاً وهددت عروشاً. وقد أشهدنا الله على عهد الطفلة الفلسطينية عهد في زمن تزايدت فيه الفاشينستات وأهل اللغو وتوافدوا إلى عالم الشهرة والأضواء من كل حدب وصوب، مستعينين بأجهزتهم الذكية على تسويق غبائهم وسخفهم وضحالتهم أمام العالم أجمع، لينزلق العالم وإياها في نفس المنحدر مصفقاً مجلجلاً بالتفاهات وصنّاعها. ربما لا يمكننا التعميم، ولكن تلك النماذج أصبحت متسيدة للمشهد في وسائل التواصل الاجتماعي للأسف الشديد. بينما نملك أيقونة مثل عهد، قلّ من تحدث عنها أو أشاد بنضالها قياساً بالتشدق بالتفاهات من هنا وهناك.

* اختلاج النبض:

اختياراتنا ومتابعاتنا وتفضيلاتنا مسؤولة عن صناعة المشاهير وصعودهم إلى واجهة التسويق لأفكارهم وأسلوب حياتهم، وبيدنا أن نسهم في التأسيس لبناء جيل أكثر وعياً من خلال دعم النماذج الإيجابية مثل عهد التميمي، وبيدنا أن نسوق لمن ليسوا ذوي جدوى فنغرق من حولنا بتفاهات ما نعيد إرساله وتوجيهه ونشره في حساباتنا. بيدنا اليوم – ولو بتغريدة واحدة – أن ندعم عهد من أجل النضال العربي، من أجل فلسطين الأبية، من أجل الطفلة التي أخجلت رجالاً وهزّت رجالاً.