الشعر من تراث الثقافة العربية و«ديوان العرب» ومن العناوين اللافتة التي قيلت عن الشعر «الشعر تراث العرب يحميه فرسان البلاغة» والشعر تاريخ يستعرض الكثير من ملامح زمن الشاعر وهويته والمحيط به من ظروف وتفاصيل وأحداث زمنية، لذا فلكل مرحلة من مراحل التاريخ العربي هناك شعر وهناك محطات شعرية نقلت للأجيال المعاصرة الكثير من القصص والأحداث وسمات البيئة التي ينشأ فيها الشاعر، والشعر في زمن الإسلام كان وسيلة من وسائل الدفاع عنه ضد مشركي قريش، وكان أحد أبواب المعرفة والعلم وصقل الشخصية، ولايزال الشعر أحد أبواب الدفاع عن الأوطان وإبراز قضاياها وسفير الدول وعنوان الإبداع ورمز الثقافة والحضارة لها.

انطلق هذا الأسبوع من العاصمة الإماراتية أبوظبي برنامج شاعر المليون لموسمه الثامن وفيه يشارك 48 شاعراً من 11 دولة عربية، وقد حرص البرنامج على الانطلاق تزامناً مع عام زايد والذي أعلن عنه رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان أن عام 2018 هو مناسبة وطنية للاحتفاء بذكرى مرور 100 عام على ميلاد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وإبراز دوره في تأسيس وبناء دولة الإمارات، ومن يعرف الشيخ زايد رحمه الله لا بد أن يكون قد عرف «زايد الشاعر»، فقصائده لها مكانتها واستطاعت أن توجد بصمة خالدة لها في ساحة الشعر ولها انتشار كبير عند جمهور كبير يحفظ الكثير من أبياتها، كما له قصائد مشهورة عديدة ومتميزة غناها الكثير من أبرز المطربين.

البرنامج هذا العام جاء بشكل مغاير عن بقية المواسم السابقة، ولعل ما يدفعنا للاهتمام به أكثر كبحرينيين أن هناك ثلاثة شعراء من مملكة البحرين استطاعوا الدخول ضمن قائمة الـ48 شاعراً وحصلوا على الإجازة من لجنة التحكيم المعروف أن لها العديد من المعايير والقوائم، وبعد تخطيهم لأكثر من 600 شاعر من مختلف الدول العربية تنافسوا على الوصول إلى مرحلة المشاركة في البرنامج، وقد قال لنا مدير أكاديمية الشعر سلطان العميمي إن الشعراء البحرينيين المشاركين هذا العام قد تميزوا بمستوى جاء بشكل متفوق عن بقية المواسم السابقة في مراحل الاختيار والفرز، وإنهم قادرون على انتزاع لقب شاعر المليون، ففي أحد المواسم السابقة تمكن أحد الشعراء البحرينيين من الوصول إلى المراحل النهائية للبرنامج، وواضح أن شعراء البحرين اجتهدوا على لأنفسهم كثيراً، وهذا التصريح يكشف أن هناك بيئة شعرية خصبة في مملكة البحرين وتحتاج للمزيد من الاهتمام والعناية والدعم لأجل إثراء الساحة الشعرية في مملكة البحرين أولاً، ولأجل إبراز اسم مملكة البحرين في ساحة الشعر العربي، لذا نأمل أن يكون ختام البرنامج فرحة بحرينية الإنجاز.

شخصياً وجدتني وأنا أحضر المؤتمر الصحافي للبرنامج ومن ثم الحلقة الأولى للبرنامج مبهورة بهذا الكم الكبير من الاهتمام بدعم الشعر العربي وإثراء الساحة الشعرية العربية وتمكين الشعراء وتطوير مهاراتهم وإبداعاتهم من قبل المسؤولين والقائمين على الثقافة والتراث في أبوظبي، وعلى رأسهم ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، فالبرنامج لا يركز فقط على الشعراء الفائزين بجائزة البرنامج «مليون درهم إماراتي» حيث تطور البرنامج بعدها ليكون هناك ستة فائزين، كما رفعت قيمة الجوائز ليكون الفائز بالمركز الأول يحصل على «خمسة ملايين درهم» والفائز الثاني «أربعة ملايين درهم» والثالث «ثلاثة ملايين درهم» والرابع «مليوني درهم» والخامس «مليون درهم»، في حين من يحصد المركز السادس يحصد «600 ألف درهم»، وكلها مبالغ ضخمة تعكس مدى اهتمام دولة الإمارات العربية الشقيقة بالشعر ودعم فكرة أهمية استمرار الأجيال بالاهتمام به والحفاظ عليه كموروث تاريخي عربي، وما شدنا أكثر أن لجنة تحكيم البرنامج تهتم بتطوير الشاعر وصقل موهبته من خلال تقديم الكثير من الملاحظات والاستشارات لحضور الشاعر وثقافته وأفكار قصائده والمواضيع التي يهتم بطرحها من خلال أشعاره إلى جانب أوزان أبياته الشعرية، كما يتم تشجيعه على الاستمرار والمشاركة في مواسم أخرى من الممكن أن يتقدم فيها للوصول إلى المراكز الأولى أو أن يحافظ على بقائه في المركز الأول، وكل ذلك يأتي في سبيل تدعيم فكرة أن الشعر عنوان ثقافة العرب وعنوان حضارتهم وتاريخهم أمام شعوب العالم، لذا فتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة الدولة العربية الوحيدة اليوم التي تتصدر مشهد الاهتمام بالحفاظ على الشعر العربي، ونتمنى أن تبادر بقية الدول العربية بإيجاد برامج وطرح أفكار للحفاظ على البيئة الشعرية العربية لكي تبقى بيئة خصبة «ولادة» أمام تحديات الحفاظ على اللغة العربية لدى أجيال عربية تتحدث باللغة الأجنبية وتتابع الروايات والأشعار والأغاني الأجنبية أكثر من العربية.

من جانب آخر، تعتبر مثل هذه المسابقات التي يتسابق الشعراء فيها على كتابة القصائد حول قضايا وطنية أو اجتماعية أو سياسية مدخلاً للحفاظ على اللغة العربية وتطوير إمكانيات الشخص اللغوية والفكرية وتطوير ثقافته إلى مستويات عالية من النضج الشعري والفكري والثقافي، أي أن مثل هذه البرامج الشعرية تضيف للساحة مفكرين ومثقفين قادرين على الاستمرار في دعم مدارس الحراك الفكري والثقافي العربي وإثرائه، كما تشجع الجيل الناشئ من الشباب على العناية بالثقافة واللغة العربية وتطوير لغتهم الأم لأجل الرقي والوصول إلى مستوى متقدم يتيح لهم فرصة الدخول للبرنامج والمشاركة، لذا فهذا البرنامج -وأمام المبالغ المالية المغرية المقدمة- شجع الشباب العربي واستقطبهم على الاهتمام بالشعر ومتابعة جديد الساحة الشعرية ونقد القصائد والبحث عن تطوير مهاراتهم والتنافس لأجل طرح أفكار جديدة للقصائد، كما من المعروف أن الشعر يعزز شخصية الشاعر وثقته بنفسه حتى وصل البرنامج في موسمه الثامن الحالي إلى استقبال مشاركات غير عربية، مما يعني أن هذا البرنامج نجح في استقطاب كل من يهتم بالشعر العربي ويرغب في إثراء ساحته، كما أن رفع عدد الشعراء المشاركين من 100 إلى 150 في الدول التي يمر بها البرنامج لمنح الإجازة للشعراء يعني أن هناك إقبالاً متزايداً على خوض غمار المنافسة بين الشعراء.

يبقى التحدي الوحيد الذي لاتزال البرامج الشعرية بالعموم غير قادرة على «كسر حاجزه» هو استقطاب الشاعرات العربيات اللواتي يكتبن بأسماء مستعارة نظراً للعادات والتقاليد وأسباب عديدة، فهناك الكثيرات من المتميزات منهن وفي مستوى شعري عالٍ جداً وفريد، وتجنبهن الظهور الإعلامي أو الظهور وراء أسماء مستعارة يفقد الساحة الشعرية التي تحتاج اليوم -وفي هذا الزمن الذي يهتم الجمهور بمتابعة شاعره عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي كثيراً ما تكون بالصور ومقاطع الفيديو- للتنوع والشعر النسائي، فالمشهد الشعري العربي لا يمكن أن يتطور والشاعرات اللواتي يثرين الساحة بعيدات عن ساحته وميدانه أو قابلات للاختفاء في أي لحظة.

برنامج شاعر المليون يعتبر برنامجاً وثائقياً لتاريخ الشعر العربي المعاصر، وما المبادرة التي قدمها البرنامج لأول مرة في تاريخ جولاته بتوفير مكتبة متنقلة تضم إصدارات أكاديمية الشعر «مكتبة شاعر المليون» إلا دليل على أن هناك نظرة بعيدة المدى تتجاوز مرحلة البرنامج إلى مراحل أخرى تستكمل دور الشيخ زايد رحمه الله في دعم الشعر العربي والاهتمام بشعراء العرب، لذا شكراً للقائمين على برنامج شاعر المليون بلا استثناء ونأمل المزيد من التقدم والتميز لمثل هذه البرامج الثقافية.