وثّق فيلم «The Post» الذي يعرض حالياً في دور السينما الخليجية، التحدي الذي خاضته صحيفتا «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» الأمريكيتان مع الحكومة، كاشفتين فساداً تم التستر عليه خلال فترة حكم أربعة رؤساء للولايات المتحدة الأمريكية حول حرب فيتنام، ذلك التحدي الذي أثار في خاطري مجموعة من التساؤلات والمقارنات بين واقع الصحافة هنا وهناك، والتأمل في حال صحافتنا في الدول العربية. ويبدو أن الفيلم لم يوثق الصراع بين السلطة والصحافة وحسب، إنما مثّل مواقف حقيقية لبعض أبطاله من الحكومة الأمريكية على اختلاف رؤسائها، ما حدا بالنجم «Tom Hanks» -بطل الفيلم- برفض عرض فيلمه في البيت الأبيض، معللاً أنه لا يريد مقابلة دونالد ترامب بسبب قراراته السياسية السيئة، وأنه لو حدث وعرض الفيلم هناك فإنه لن يحضر.

لقد برهن الفيلم على قدرة الصحافة على ممارسة دورها بصفتها سلطة رابعة قادرة على الكشف عن الفساد والمحاسبة إزاءه وجلد فاعليه من خلال نشر فضائحهم، لكن أمراً مماثلاً بالطبع ليس في متناول صحافتنا العربية، فسلطتنا الرابعة اعتقلت من قبل السلطات الأعلى وأرغمتها على تسليم أسلحتها، وربما باعت نفسها في سوق المانحين من أجل «لقمة العيش» التي كان عظيماً لو تناولتها مع العاملين فيها بكرامة المواجهة للفساد وأهله في بلادها.

«النوعية تحقق الربح»، تلك معادلة غابت عن صحافتنا فلم تعد تطمح لتحقيق جماهيرية عالية من خلال كسب ثقة القراء، ولم تعد قادرة على جلب مزيد من المعلنين راغمين لما تحظى به الصحف كنتيجة حتمية من سعة انتشار. أثارني قبيل نهاية الفيلم رأي قاضي المحكمة المتمثل بأنه يجدر بالصحافة أن تخدم المحكومين وليس الحكام وأن تخدم ديمقراطية الولايات المتحدة الأمريكية، ولكننا في صحافة دولنا أمام ماسحي جوخ من الطراز الأول، بحثوا عن ترف العطايا من هنا وهناك وتناسوا المحكومين، وتبجحوا في كثير من الأحيان على حساب المواطن وحقه وكرامته. أنا لست من مؤيدي كلمة «الطبالة» لكل مديح أو إشادة يقدمها كاتب في صحيفة، وإنما ضد تلميع الأغبر قبل تنظيفه. مسؤولية الصحافي التي تحتم عليه كشف الحقائق والنيل من المفسدين ومحاسبتهم، أيضاً تحتم عليه الإشادة بالإنجاز الوطني والحضاري والفخر به، تحتم عليه الإشادة بالنماذج المشرفة والتي تحقق رؤى البلاد وترفع من شأنها من خلال صنائعها، وذلك النوع من الإشادة محمود لا يمكن تصنيفه «مسح جوخ» ولا «تطبيل»، ولكن ليس هذا الذي نحظى به من خلال بعض الكتاب، للأسف. ولست هنا بصدد تعريف تلك المصطلحات لأن القارئ أفطن من الكاتب إلى الفرق بين الأمرين وأكثر قدرة على التمييز بين الإشادة والتملق، بين الفخر والوصولية، بين الإنصاف وبين التكسب من الكلمات بشكل مهين.

* اختلاج النبض:

من المخجل أن تحسم قضية بانتصار صحافة الغرب في صراع شرس قبل قرابة نصف قرن، ومازال العرب يبحثون القضية نفسها دون حلول حتى اليوم، وبينما تكفل الرقابة السلطة الصحافية ينتهكها بعض الممارسين.