العلاقات بين البحرين ومصر، عميقة الجذور، متعددة الأبعاد، ولا مجال في هذا المقال الموجز لتناول كل تلك الأبعاد، وإنما نركز على أحد أبعادها، وهو البعد البرلماني، حيث يقوم الأستاذ الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب المصري، بأول زيارة له للبحرين، رداً على زيارة قام بها وفد من مجلس النواب البحريني برئاسة رئيس المجلس الأستاذ أحمد إبراهيم الملا. وهذه الزيارة تعكس أربعة أمور، الأمر الأول، التعبير عن عمق العلاقات النيابية والسياسية وهو عمق تاريخي وثقافي وقد تناول المؤرخ هيردوت بكثافة في كتاب المشهور الحضارة المصرية العريقة ولكنه لم ينس أن يعطي حضارة دلمون حقها وهي حضارة ذات سبق تاريخي في الجزيرة العربية والخليج العربي. الأمر الثاني، هو الفتح الإسلامي لكل من مصر والبحرين، إذ رحب شعبا البلدين بالإسلام، وبمبعوث النبي، وهذا يعبر عن قاسم مشترك، بإدراكهما لقيم الدين الحنيف والمتسامح والمعتدل، فرحب المقوقس في مصر، كما رحب المنذر بن ساوي في البحرين بمبعوث الرسول، الذي دعا الشعبين والقيادتين للإسلام. الأمر الثالث، هو العروبة عميقة الجذور، وإذا كانت البحرين في الجزيرة العربية ومطلة على الخليج العربي، فمصر مطلة علي الجانب الغربي من شبه الجزيرة، وهو البحر الأحمر، وكلا الخليج العربي والبحر الأحمر يؤثران بقوة في الأمن القومي العربي عبر التاريخ. الأمر الرابع، ينبغي أن نستذكر حاكم مصر عندما زارها النبي إبراهيم فأهداه إحدى الأميرات أو إحدى الوصيفات في القصر الملكي، وهي التي أصبحت زوجة له وأم إسماعيل أبو العرب وجد رسول الله. من هنا فإن الرباط المصري والبحريني بالعروبة والإسلام هو رباط عريق النسب واضح المعالم في رد الفعل تجاه الإسلام.

وقد شهد العصر الحديث أبرز معالم علاقات الدولتين، ويكفي أن نشير لثلاثة أمور، الأمر الأول، حب الشعب البحريني لمصر والمصريين، وهو ما تجلى في أبرز معانيه بمشاركة وفد من الشعراء والمثقفين البحرينيين في عام 1927 في تنصيب الشاعر أحمد شوقي أميرا للشعراء، وتكريمه بتقديم أحسن هدية له، وهي نخلة من الذهب مرصعة باللؤلؤ البحريني المشهور، فأثار ذلك إعجاب شوقي وأنشد عدة أبيات في مدح البحرين لتلك اللفتة الكريمة، والتي لم يحدث مثلها من الوفود العربية الأخرى، كما إن الأستاذ صقر عبدالله المعاودة وهو من الباحثين البحرينيين، ألف كتاباً تناول فيه الحدث، وكل ما نشر في الصحف عنه. وذهب لمصر وزار متحف شوقي في كرمة ابن هانئ، وتم تدشين ذلك الكتاب، منذ بضعة شهور في القاهرة، في جمع غفير من المثقفين وسفير مملكة البحرين في القاهرة، سعادة الشيخ راشد بن عبد الرحمن آل خليفة، ولفيف من أعضاء السفارة، ومن المؤرخين، والأدباء، ومن بينهم الدكتور الأديب صلاح فضل، والدكتور خلف الميري أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة عين شمس، وكلاهما من محبي البحرين. الأمر الثاني، ثقافي وتعليمي، فقد كانت البعثة التعليمية المصرية من أوائل البعثات التي أوفدت للبحرين لنشر التعليم والثقافة، وتربى علي يديها كثير من المثقفين والشعراء الذين كانوا ينتظرون قدوم الصحف والمجلات المصرية عن طريق الهند، لأن الاستعمار البريطاني لم يكن يشجع التقارب العربي وخاصة مع مصر. الأمر الثالث، هو الإقبال والترحيب بالفكر القومي العربي بقيادة جمال عبد الناصر، حتى أنه عندما توقف في البحرين في طريقه للهند خرجت جموع شعبية عن بكرة أبيها لتحيته عندما علموا بمروه في المطار باعتباره زعيم العروبة والفكر القومي وهذا الحس القومي العربي في البحرين يسري بين مختلف طوائفها وقد قدمت مصر المنح العديدة لشعب البحرين للالتحاق بالجامعات المصرية، وهو ما ساهم في نهضة البحرين من خلال القوة الناعمة المصرية، من المدرسين وأساتذة الجامعات والقانونيين ورجال الثقافة والقضاة ومستشارين من الشرطة والقوات المسلحة والدبلوماسيين، وهو ما عزز من دور وكفاءة القوة الناعمة بالبحرين.

في هذا الإطار، نرحب بقدوم الوفد البرلماني المصري برئاسة الأستاذ الدكتور عبد العال رئيس مجلس النواب، وهي زيارة تحقق هدفين، أولهما، تأكيد التلاحم على المستوى الشعبي والدبلوماسية البرلمانية وتنسيق المواقف في المحافل العربية والدولية والإسلامية، وثانيهما، التعبير عن العلاقات الوطيدة بين القيادات البرلمانية، فهو دليل على التناغم في العلاقات في مختلف المواقع ومن مختلف القيادات، وقد زار الرئيس عبد الفتاح السيسي البحرين، وحظي بترحيب كبير وحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، زار مصر عديد من المرات ووقف إلى جانبها في الملمات.

ومما لفت نظري أن وفد مجلس النواب المصري ضم بعض النواب من السيدات، والوفود البحرينية التي زارت مصر، برئاسة السيد أحمد الملا رئيس مجلس النواب، وضمت بعض النواب من السيدات أيضاً. فالرسالة غير المباشرة تؤكد تناغم المجلسين في معالم تطورهما وفي دور المرأة في البلدين وبين القيادة السياسية في الدولتين.