نستطيع أن ندرك بقدرٍ عالٍ من المسؤولية ما تمر به بلادنا -شأنها شأن معظم بلدان العالم- من ظروف مالية صعبة تقتضي بطبيعة الحال رفع أسعار الوقود باعتبار أن النفط المصدر الرئيس للدخل، وفرض بعض الضرائب، ولكن هذا النهج، ما لم يصاحبه إصلاح مالي واقتصادي، فإنه سيزيد حتماً من تفاقم الوضع وسيفضي إلى نتائج سلبية معكوسة.

إن فرض المزيد من الأعباء المالية على المواطنين سواء في صورة ضرائب انتقائية أو مضافة، أو على هيئة رسوم عبر فرض رسوم جديدة أو زيادة الرسوم الحالية أو مضاعفتها، فيما لاتزال ملاحظات ديوان الرقابة الإدارية والمالية تترى عاماً بعد عام بشأن مخالفات بالجملة في الوزارات والهيئات الحكومية تكلف خزينة المال العام ملايين الدنانير، ناهيكم عن مظاهر الهدر والتبذير الواضحة في الكثير من تلك المؤسسات الحكومية وأبسط أمثلتها الفعاليات والسفرات والاحتفاليات التي تقام بداعٍ وبدون داعٍ، وهو ما يقود ردة الفعل الشعبي نحو حالة الإحباط.

فما سيفرض على المواطن من أعباء جديدة لا يبدو أنه سيكون محدداً بفترة زمنية محددة «وتعدي» بل إنها ستكون سيفاً مسلطاً على رقبته إلى أن يأذن الله، وبذلك فإنه ليس من المنصف تحميل المواطن، الذي ما استفاد شيئاً من الطفرة النفطية، ثمن العجز عن تحسين الأوضاع المالية أو عدم قدرة الدولة على خلق موارد جديدة للإيرادات سوى الإيرادات النفطية. وقبل أن تمد الدولة جيبها في يد المواطن المسكين ذي الدخل «المنتف» عليها أن تمد يدها في أروقة الإدارات الرسمية لوزاراتها وهيئاتها لضبطها وترشيد نفقاتها، وأن توقف حالة استنزاف الأموال العامة في أوجه لا مردود لها.

إنني أكاد أجزم أن المواطن البحريني البسيط في تكوينه الواعي في سلوكه وتفكيره لن يضنّ على بلده ببضعة أو عدة دنانير، وهو الذي نذر نفسه وماله وولده فداءً لقيادته وتراب وطنه الغالي. لكن هذا المواطن الذي يئن اليوم تحت وطأة تكالب التكاليف المعيشية عليه من كل حدبٍ وصوب، هو نفسه الذي كان يطالب برفع مداخيله في زمن الطفرة النفطية.

أما التحدي الأكبر أمام اللجان المشتركة المشكّلة تنفيذاً لتوجيهات جلالة الملك بأن يكون مبدأ التوافق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية هو المعيار الذي ينظم إعادة هيكلة الدعم إلى مستحقيه، التحدي الكبير أمام هذه اللجان اليوم سواء كانت اللجنة المشكلة من السلطة التشريعية بشقيها «النيابي والشوري» أو اللجنة الحكومية - النيابية بمشاركة ديوان الرقابة المالية والإدارية يكمن في وضع آلية تضمن حصول كافة الفئات المستحقة على الدعم الملائم، وعدم إجحاف حق أي فئة مستحقة.

رسالتنا إلى هذه اللجان ومن فيها، لا تنسوا عند تدارسكم معايير توجيه الدعم ومستحقيه، الفئات الأخفض صوتاً والأكثر تضرراً من رفع الأسعار، لا تنسوا العاطلين والأفراد والمطلقات والأرامل وذوي الدخل المحدود والموظفين بالقطاع الخاص، فليكن صوت هؤلاء ممثلاً في مداولاتكم وحقوقهم أمامكم.

يجب ألا يقتصر الدعم على الأسر، كما في تجربة دعم اللحوم، حيث إنه في حالات كثيرة يتوجه هذا الدعم إلى فرد واحد هو نظرياً رب الأسرة، بينما هناك حالات عديدة يكون بالأسر أفراد مستقلون مادياً أو -معدمون مادياً- كما في حالة الباحثين عن عمل يكونون هم الأكثر تضرراً من قرارات رفع الأسعار والضرائب وخفض الدعم وارتفاع الرسوم.

أنصفوا هؤلاء جميعاً.. ولعل أكثر ما نخشاه أن تشتد حالة الحنق الشعبي فيحجم المزيد من الناس عن المشاركة الإيجابية في الانتخابات القريبة، الأمر الذي سيؤثر بلا ريب على تجربتنا الديمقراطية الوليدة. حالة الإحباط المسيطرة على المزاج العام قد ترفع فاتورة الحملات الإعلامية المرافقة للانتخابات القادمة، فمن الواضح أن البعض قد وصل لمرحلة عدم الثقة بالسلطة التشريعية ومدى قدرتها على الدفاع عن مصالحه وتمثيل إرادة المواطن تمثيلاً حقيقياً لدى تداول الملفات المهمة المتعلقة به.

* سانحة:

«ويسألونك أَين تجد الجمال؟ قل لهم: في الوجوه التي تستحي من الله»، «جلال الدين الرومي».