الهوية الوطنية ضحية كل ما نراه في منطقة باتت تأكل أبناءها. قوى كثيرة اجتهدت في تفتيتها. فجأة صحت كل الهويات الضيقة، استدعي بعضها من كتب التاريخ والمتاحف. أفكار الانغلاق صارت بضاعة رائجة بمسميات لا حصر لها. مليارات دفعت في الإعلام، وشباب صاروا يحسبون التضليل معرفة، وأسلحة غزت الساحات دون مانع. فانهارت دول وتشردت شعوب.

دون الهوية الوطنية الجامعة على قاعدة الحقوق والواجبات المتساوية، يغدو الوطن كعكة يقضمها كل من استطاع إليها سبيلاً.

في البحرين نجونا من كارثة، بقي الوطن منيعاً، وشعبه عزيزاً، غير أن الهوية الوطنية تأثرت تحت ضغط التشويه والتفرقة. استدعت إيران الطائفية بأعتى صورها خياراً وحيداً لتفتيت شعب عاش مئات السنين شعباً واحداً ومازال.

في 2010 وقبل ما تعرضت له البحرين في 2011، قال حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى أمام السلطة التشريعية «من غير المعقول أن ينتمي إنسان إلى بوتقة الهوية الوطنية البحرينية التي نعتز بها جميعاً، إلا إذا كان متشبعاً بالروح الوطنية البحرينية العالية».

إنها الروح التي نحتاج اليوم إلى إنعاشها لإنقاذ خصائص هويتنا من الضياع في الولاءات المتعددة، ولتحصين أمننا ومعيشتنا، فلا أمن دون حوامل اجتماعية انتبه لها المشروع الإصلاحي منذ انطلاقته، ونبه لها.

وينبه لها اليوم أولئك الذين حفظوا الأمن وصدوا الإرهاب بأرواحهم، وحموا الوطن من أخطر تدخل تعرض له في العصر الحديث.

ينبه لها وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، فـ«بناء الوطنية يتطلب قلوباً كبيرة، تعلو على الطائفية والتطرف وتستوعب الجميع» كما قال الأحد أمام نخبة من أبناء الوطن.

يضعنا وزير الداخلية اليوم أمام ثنائية الخيارات المتناقضة؛ الوطنية أو الطائفية، الوسطية أو التطرف، التعايش أو الانعزال، بحرين 2011 أو بحرين المستقبل التي نبنيها جميعاً إن توفرت لدينا الإرادة.

ويطرح في سبيل خيار الوطنية الذي ينجينا جميعاً مبادرة شاملة للانتماء الوطني من خمسة عناصر دعا الجميع إلى المشاركة في بنائها.

مبادرة نحتاج أن نحتويها بقلوبنا وأفعالنا قبل أن نحولها تشريعات وأنظمة. نجحنا في ذلك تاريخياً وسننجح.