يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحديات جمة في عامه الثاني من ولايته الأولى في البيت الأبيض، انتقلت إليه من تداعيات سلبية خلال عامه الأول جراء إخفاقات وأزمات نتيجة قرارات وتصريحات لم تكن في محلها عند معظم المراقبين والمحللين، وأحدثت شرخاً ليس هيناً في علاقات أمريكا بالحلفاء والأصدقاء على حد سواء.

ولعل أبرز التحديات التي تواجه ترامب في عامه الثاني من الحكم، مدى قدرته على ضبط علاقاته بحلفائه العرب والمسلمين، حيث يمكن تصنيف محصلة سياسات ترامب تجاه العرب والمسلمين في عامه الأول، بأنها كانت سياسات سلبية في مجملها حتى وإن أطلق سيد البيت الأبيض بين فترة وأخرى سلسلة من التصريحات التي تؤكد دعمه لحلفائه في دول الخليج وبعض الدول العربية، واتخاذه من أزمة إيران منصة لإطلاق تصريحات معادية تجاه «ولاية الفقيه»، يعتقد من خلالها أنه قد يحظى بثقة الحلفاء التقليديين في المنطقة، إلا أن موقفه وإدارته من الأزمة الخليجية، ومن القرارات الجريئة تجاه البرنامج النووي الإيراني تبقى موضع استغراب، حتى الآن، مع تباين التصريحات التي يتبادلها هو وفريق عمله بطريقة «وان تو»، فهناك من يشد الحبل، وهناك من يرخيه!!

وقد كان للعرب والمسلمين نصيب من تصريحات وقرارات ترامب مع بداية توليه الحكم، خاصة تصريحاته التي لا تتوقف عما يسميه بـ«الإرهاب الإسلامي» رغم الرفض الشديد لتلك العبارة السخيفة، ومروراً بقراره الذي أصدره في يناير 2017، وأمر فيه بحظر دخول مواطني دول عربية وإسلامية إلى أمريكا، متحدثاً عن أن تلك الخطوة ستحمي الأمريكيين من الإرهاب ليقوم في مارس، بتوقيع مرسوم جديد يحظر السفر إلى أمريكا مستثنياً حاملي تأشيرات الدخول مسبقاً ولبعض الدول العربية، في تراجع ملحوظ بعد الانتقادات الحادة التي واجهها لعل أقواها كانت من القضاء الأمريكي نفسه.

لكن الضربة الحقيقية التي وجهها ترامب للعرب والمسلمين هي إعلانه في ديسمبر الماضي أن القدس عاصمة لإسرائيل وعزمه نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى المدينة المقدسة، ثم لجوؤه لابتزاز الحلفاء والأصدقاء وقبلهم الفلسطينيون عبر التهديد بحرمانهم من المساعدات المالية في موقف غير مسبوق لرئيس أمريكي.

يبرز أيضاً تحدٍّ آخر لا يقل أهمية عما سبق، وهو طبيعة علاقات البيت الأبيض بإيران، وموقف ترامب «الحقيقي» من الاتفاق النووي الإيراني، خاصة أنه قبل أيام قد منح ذلك «الاتفاق المعيب» على حد قوله، فرصة أخيرة عندما أعلن تمديد تجميد العقوبات على طهران في إطار الاتفاق النووي معها، إلا أنه تعهد أن هذا التمديد هو الأخير إذا لم يتم تعديل الصفقة، بيد أن الاتفاق النووي ليس هو وسيلة الضغط الوحيدة الممكنة ضد طهران، بل بالإمكان أن تضغط واشنطن على طهران من خلال ملفات أخرى لعل أبرزها ملف حقوق الإنسان، وهذا ما دعا صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية إلى مطالبة إدارة ترامب بفرض عقوبات على كيانات اقتصادية إيرانية عملاقة تدر دخلاً بعشرات المليارات من الدولارات، يسيطر عليها المرشد الإيراني علي خامنئي، ويستخدم تلك الإيرادات لخدمة توجهاته السياسية في المنطقة، وبين تلك المؤسسات «هيئة تنفيذ أوامر الإمام» أو اختصاراً «ستاد»، ومؤسسة «المستضعفين»، ومؤسسة «أستان قدس رضوي»، وهي هيئات لها أسهم في كل القطاعات الإيرانية تقريباً، وتزيد قيمتها على 200 مليار دولار. كما أن قضية الصواريخ الباليستية الثلاثية تشكل معضلة حقيقية لترامب، فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، وما تطلقه ميليشيات المتمردين الحوثيين على السعودية بين فترة وأخرى، إضافة إلى البرنامج النووي الكوري الشمالي.

ومن التحديات القوية التي تقف بالمرصاد بوجه ترامب والتي ربما تؤثر على استمراره في البيت الأبيض، أو حتى فوزه بولاية رئاسية ثانية، وتسلمه مقاليد الحكم في يناير 2021، طبيعة العلاقات بينه وبين روسيا، ونتيجة التحقيقات القائمة حالياً حول حصول تواطؤ محتمل بين الفريق الانتخابي لترامب والكرملين، أدى إلى تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية لصالحه على حساب منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. وهذا ما دفع صحيفة «الإندبندنت» البريطانية إلى الحديث عن تفاقم تلك الأزمة خاصة مع تحول الاهتمام والتركيز في ملف التحقيقات في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى ستيف بانون كبير مستشاري ترامب السابق، فيما لم تستبعد الصحيفة أن يتم عزل ترامب على يد الأجهزة الأمنية خاصة جهاز الاستخبارات الأمريكي وهي الأجهزة التي ساعدته على الفوز بالانتخابات، خاصة وأن الديمقراطيين دوماً ما يروجون لحقيقة أن كلينتون كانت في طريقها للفوز لو لم يدخل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي على الخط معلقاً على تفاصيل اختراق بريدها الإلكتروني ما أدى لتخريب حملتها الانتخابية، وفقاً لـ«الإندبندنت». وربما يكون ذلك الملف هو الشبح الذي سيطارد ترامب في عامه الثاني من الحكم حتى وإن حاول بشكل أو بآخر الإفلات من هذا الملف وتغيير بعض المسؤولين مثل استبدال مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق جون برينان، بمايك بومبيو الموالي له، في حين أن التحقيق في الملف الروسي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم وبالتالي يتصاعد الحديث تدريجياً حول إمكانية عزل الرئيس من منصبه.

ولا يمكن تجاهل طبيعة الحرب على تنظيم الدولة «داعش»، وإعلان الانتصار عليه نهائياً، خاصة مع وجود جيوب للتنظيم المتطرف في العراق وسوريا، واعتماد استراتيجية البقاء العسكري الأمريكي في سوريا، من أجل مواجهة التنظيمات الإرهابية من ناحية، وفي نفس الوقت وضع حد لتوغل إيران في البلاد، إضافة إلى دراسة مدى استمرارية الأسد في منصبه بعد كل الجرائم التي ارتكبها، وطبيعة دوره في المرحلة الانتقالية. أما موقفه السلبي من الهجرة، فهو أزمة أخرى لا تقل أهمية عن ملفات كثيرة معقدة، وكان صفعة مدوية لأمريكا التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم، وربما هذا ما دفع رئيس إحدى المنظمات الحقوقية الأمريكية إلى القول إن «سجل الرئيس الأمريكي في حقوق الإنسان خلال عامه الأول في البيت الأبيض كان كارثة». ولا شك في أن لجوء ترامب إلى موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» من أجل إطلاق تغريدات من حسابه الشخصي تعبر بطريقة أو بأخرى عن سياساته الداخلية والخارجية، قد أدى ذلك إلى تقويض هيبته الرئاسية بحسب منتقديه من الأمريكيين وغير الأمريكيين على حد سواء.

* وقفة:

تحديات كبيرة تواجه ترامب في عامه الثاني من الحكم ربما تؤدي إلى عزله خاصة أن بينها «ملف التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية» فهو الشبح الذي يطارد سيد البيت الأبيض ويقض مضجعه!!