أول الدروس التي تتعلمها من الأجداد أو الآباء إن كانوا أصحاب سيرة صالحة، ومسيرة حياة طيبة، بأنك لا بد وأن تكون شخصاً «صالحاً» في المجتمع.

أسلافك لو كانوا بهذه التركيبة الإيجابية، سيمطرونك بكل النصائح المفيدة من واقع خبرة الحياة، بعضهم سيقوم بها رغبة منه بأن تتبع خطاه في الأمور الإيجابية، وبعضهم سيقوم بها حتى تتجنب الوقوع في نفس الأخطاء التي وقع فيها، وغالباً ما يفعل ذلك هم الآباء الذين لو سألتهم عن أمنياتهم لأبنائهم، سيقولون بلا تردد: «نريدهم ألا يقعوا في أخطائنا، وأن يكونوا أفضل منا».

هذه الجملة الرائعة بحد ذاتها منهاج حياة لو تمعنا فيها، إذ شعور الآباء تجاه أبنائهم يظل دوماً «نقياً» و»صافياً»، إذ لن تجد ابناً يريد لأبنائه أن يكونوا أقل منه، بل هم دائماً يكونون أصحاب الحظوة، والدعوات موجهة لهم بالظاهر وفي الغيب أن يكونوا أفضل من آبائهم ويحظوا بحياة أكثر سهولة مما واجهوه.

من هنا أنطلق لأبحث عن تصرفات مجتمعية، سواء في حياتنا الاجتماعية، أو الإدارية، أبحث عمن يطبق نفس «الفلسفة الأبوية» تجاه البشر، سواء أكانوا أصحاباً أو زملاء عمل، أو مرؤوسين.

المشكلة أننا كثيراً ما نتصادم مع بشر يطبقون هذه الفلسفة بالمقلوب، هم على نقيض ذاك الإنسان الذي يسعى لخير غيره، ويفرح لتفوقه وتميزه، ويدعو له بالنجاح والوصول لأعلى المراتب.

في مجتمعنا، وهذه ظاهرة عالمية، قلما تجد «أناساً متصالحين مع أنفسهم» يفرحون لنجاح غيرهم، أقولها مع الأسف الشديد، مجتمعنا بات يعج بمن يراقب الناس وهو يتمنى رؤية هذا يتألم، وذاك يخسر، والآخر يعاني، تمني الخير بات من صفات أناس نادري الوجود، بعدما كان سمة متأصلة في مجتمعنا.

في مواقع العمل وفي الحياة الإدارية، للأسف بات المسؤولون الذين يطبقون مقولة «أحب لأخيك ما تحبه لنفسك» في عداد «المنقرضين»، وحلت محلهم نماذج لأشخاص هم أبلغ مثال حي على المثل الشهير لدينا «حصاة في درب المسلمين»، دلالة على الإنسان الذي يسعى في إيقاع «الضرر» بالآخرين، أو ذاك المسؤول الذي «يقطع» عليك كل الفرص، أو الآخر الذي يجد متعته في «تكسير مجاديف» الموظفين، بل «ابتلشنا» بنوعيات من المسؤولين تفوقوا على «الحرباء» في تبدل ألوان الجلد، يضحك في وجهك، يعطيك الكلام الطيب، لكنه يطعنك من الخلف، ويتلذذ بذلك.

هذه النوعية هي التي يصدق أيضاً فيها القول: «يعطيك من عذب اللسان حلاوة، ويروغ منك كما يروغ الثعلب»، وأزيد مستطرداً «مع الاحترام للثعالب» فجنس البشر فاقهم في الخبث عبر هكذا نماذج.

هؤلاء للأسف لربما لم يتحصلوا على دروس من أسلافهم، ولربما تحصلوا لكنهم «أذن من طيب، وأخرى من عجين»، أو هم ممن أعجبتهم سطوة المنصب، وتأثير الكرسي، فباتت متعتهم باللعب في مصائر البشر.

السؤال هنا: لماذا هذا الأذى بحق الناس؟! هل يرفع من شأنك الإضرار بالبشر؟! أوليس القدر الرفيع لرسولنا الكريم تمثل بسمو أخلاقه ورقي تعامله وحبه للخير لجميع الناس؟! أوليس هو من أرسل ليتمم مكارم الأخلاق؟!

أضرب مثالاً برسولنا صلوات الله عليه، لأن الكارثة هنا أن هناك نوعيات من هؤلاء «الحجارة» التي تقف عثرات في طريق المسلمين، يطالعون الناس بظاهر «التدين» ويدعون التمثل بـ»أخلاق الرسول»، وتراهم «سجداً وركعاً»، لكنهم أسوأ الأنواع، بسبب أفعالهم التي تضر الناس، والتي بها يتفوقون على الشيطان نفسه.

ازرع الخير تحصد خيراً، ازرع الشر تحصد شراً ولو بعد حين، والأدهى إن ادخر الشر لك إلى ذلك اليوم الذي تقابل فيه ربك، وأنت محتاج لكل حسنة تشفع لك.

لا تكن «حصاة» في درب المسلمين، عامل الناس بخلق حسن، تمنى لهم الخير ولا تسد أبوابه عنهم، لا تكن سبباً في تعاستهم لو امتلكت القدرة على التحكم بمقدراتهم معيشياً وإدارياً.

أخيراً تذكروا دائماً.. إن دعتك قدرتك على ظلم الناس، فتذكر قدرة الله عز وجل عليك.