بينما خلقت أزمة لدى «أونروا» بتخفيض مساعداتها، الولايات المتحدة الأمريكية تقدم تبرعاً ضخماً بطريق ملتوية لمكتبة إسرائيل عبر «ستيفن شوارزمان» المستشار الاقتصادي لـ»ترامب»، فالدعم الأمريكي لإسرائيل وإن لم يكن من الحكومة الأمريكية مباشرة، إلاَّ أنه من الدائرة الضيقة لترامب، ما يعني توزيع الأدوار وتبادل المصالح وفق سيناريوهات وخطط مرسومة مسبقاً. ورغم علمنا بالعلاقة القوية التي تجمع البلدين، إلاَّ أنه من اللافت أن تنشئ إسرائيل مشروعها الاقتصادي بتمويل الرأسمالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وأن يتجاوز ما تناله من الولايات المتحدة 55% من إجمالي تبرعات واشنطن للعالم كله، ما يجعلها أكبر متلقٍّ للمساعدات الخارجية الأمريكية الأمر الذي يمكن الولوج فيه تفصيلياً عبر تقرير «U.S Foreign Aid to Israel».

من المحير أن إسرائيل تعد الدولة الأبرز عالمياً والأولى في حجم الإنفاق على «البحث العلمي»، وأن بنيتها العسكرية والصناعية مرتكزة على اقتصاد المعرفة، فضلاً عن حجم ما توليه من اهتمام بالثقافة والمعرفة عموماً، الأمر الذي يكشفه حجم مؤسساتها التعليمية في مراحل التعليم المختلفة إذ تمنح التعليم وحده 10% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، ما يدعو للتفكر.. دولة بهذا الحجم من التركيز على التعليم والثقافة والبحث العلمي وما يترتب عليهم من إنتاج معرفي ضخم، هل هي بحاجة للدعم من الخارج بحجم ما تتلقاه من الولايات المتحدة الأمريكية فضلاً عن دول رأسمالية أخرى؟! هل يمكن تصنيف إسرائيل من الدول المستحقة للدعم لا سيما في المجال الثقافي والمعرفي كما فعل «شوارزمان»؟! ومن المهم الإشارة إلى أن المكتبة التي دعمها «شوارزمان» تضم أكبر تجمع في العالم للنصوص اليهودية، بالإضافة إلى مواد حول الإسلام والشرق الأوسط، ما يمكن القول بشأنه إن تلك المكتبة إنما هي برنامج واضح لفهم الآخر الذي هو نحن، وسبل الهيمنة عليه واختراقه من أبعاد مختلفة من الداخل والخارج وفق مرتكزات أيديولوجية واقتصادية وسياسية وأمنية. وحسبما يبدو أن التمويل الأمريكي لإسرائيل والذي يصب في معظمه في الجانب العسكري واقتصاد المعرفة إنما يدفع لتمكين إسرائيل في المجالات البحثية والثقافية بما يجعلها العقل المدبر للولايات المتحدة الأمريكية والمفكر بالأجرة، ليكون المكسب للطرفين الهيمنة على العالم.

* اختلاج النبض:

بينما تدفع أمريكا بعجلة التقدم في الثقافة الإسرائيلية عبر دعم المكتبة وتمويل فصول دراسية، وورش عمل تعليمية، تعمل من جهة أخرى على تقويض فرص تحقيق التنمية البشرية والاكتفاء الذاتي للفلسطينيين، وإجبارهم على البقاء تحت طائلة رحمة العالم وعدمها، بالتضييق على أنشطة «الأونروا» التي ترتب عليها سلب الحق الثقافي من الفلسطينيين لتحقيق الأولويات الغذائية والعلاجية.