كان عقداً اجتماعياً عصياً على الانقلاب، هذا ما ندركه الآن بعد كل ما حدث. حمل ميثاق العمل الوطني عوامل حصانته في مضمونه أولاً وفي الظروف التي أنتجته ثانياً. لم تكن نسبة الـ98.4 عابرة. كانت لحظة تاريخية فارقة في تاريخ البحرين حين توافق الجميع على المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى. ورغم صعوبة ما اكتنف إعداد الميثاق من ظروف وملابسات، فقد نجح. ولم يكن النجاح آنياً بالحصول على الغالبية المطلقة من التأييد فقط، بل تمثل نجاحه الأهم في قدرته على إفشال من أرادوا الانقلاب في غفلة من الزمن على ما توافق عليه البحرينيون جميعاً، ودعوا إلى تدمير مؤسساتهم التي بنوها حجراً حجراً وفكرة فكرة. اليوم ندرك أنه لولا توافقنا في 2001 على مبادئ إدارتنا لشأننا العام لكان وطننا اليوم في مهب الريح كما أوطان كثيرة أضعف التشتت مناعتها أمام رياح عاتية هبت من كل صوب. هذا درس للمستقبل لا مهرب من استخلاصه.

إنها ديمقراطيتنا نحن، نبنيها نحن، يعرقلنا كثيرون بحثاً عن فوضى حيناً، وحيناً آخر عن ثيوقراطية يسمونها زوراً ديمقراطية. لكننا نجحنا وسننجح. ولا شيء أدعى من أن نعود في ذلك دوماً إلى المرجع الذي توافقنا عليه وعملنا تحت سقفه. فحين تفقد الأوطان مرجعها تغدو أطلالاً. هذا ما تعلمنا إياه دروس الحاضر قبل الماضي.

نعم يحق لنا أن نفخر بتجربتنا، وأن نعلم أولادنا كيف اجترح البحرينيون حلولهم وسفينتهم حين كان الآخرون يغرقون. يحق لنا اليوم أن نفخر بملكنا صاحب الجلالة حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله، وأن نكتب للأجيال القادمة كيف استطاع ملك بعزم وذكاء تأسيس مملكة دستورية شقت طريقها الديمقراطي وحصنته بالقانون والمساواة، رغم خبث الأعداء، وخيانة الأصدقاء أحياناً.

لم يكن صون الميثاق سهلاً، ففي حين أقره البحرينيون بقوة إرادتهم، احتاجوا إلى حمايته بدمائهم، وقدموا عدداً من شهداء الواجب الذين إنما كانوا يصونون مستقبل الوطن وهم يدافعون عن إنسانه ومؤسساته وقوانينه. إنه التوافق إذن، ذلك الذي يدفعنا إلى الأمام، ويجنبنا في الوقت نفسه القفز في الهواء، يطور نظامنا السياسي ويدفع عنا في الآن ذاته شر الفوضى.

نحتفل اليوم بميثاقنا وتوافقنا ونترك للأجيال دروساً عن بحرين المحبة، عن البحرين القوية التي استمدت قوتها من فكر قائدها وإرادة شعبها.