الطابع العام الذي يميز اقتصاداتنا الخليجية أنها ريعية محضة، وهذا يعني مزيداً من «الدلال» والكثير من الرفاهية غير المستدامة، فالاقتصادات الريعية معرَّضة لمخاطر جمَّة لأنها اقتصادات مُستَهلِكة وغير منتجة. وبما أن «الناس على دين حكوماتهم» ينعكس هذا السلوك الاستهلاكي الخطير على ثقافة المجتمعات التي تستند بشكل مباشر على ريع دولها وبطريقة مخيفة. تُنتج الدول الريعية شعوباً ريعية أيضاً، ويمتد هذا الوعي لكل مسلك من مسالك مجتمعاتها ويطال كل شيء دون استثناء.

قبل الطفرة النفطية كانت الأسرة الخليجية الكبيرة أو «البيت العود» يشد بعضه بعضاً، فبالإضافة للتماسك والترابط المجتمعي والأسري كانت الأسر الخليجية تعتمد في بقائها ونشاطها الحياتي على أبنائها وتتلقى دعمها بشكل ذاتي من أفرادها، لكن، ومع الطفرة الاستهلاكية التي ابتدأت ملامحها منذ منتصف سبعينات القرن الماضي بدأ كل شيء يتغير بشكل مريب، وها هي الأرقام تعطينا النتيجة بشكل شفاف لتكشف لنا مدى تورطنا كمجتمعات استهلاكية في الحاضر فضلاً عن المستقبل.

تؤكد بعض الأرقام الخاصة بالعمالة المنزلية حتى الربع الأول من عام 2015 -أي قبل ثلاثة أعوام- على وجود 111 ألف عامل منزلي من بينهم 80 ألف خادمة منزلية. كما تنفق الأسر البحرينية نحو 62 مليون دينار سنوياً على الخادمات فقط! هذه الأرقام توضح أحد جنبات مضار ومخاطر الاقتصاد الريعي وثمراته الاستهلاكية الرخيصة، فالأسرة البحرينية -كما بقية الأسر الخليجية الأخرى- أصبحت لا تستغني عن الخادمة الأجنبية على الرغم من يقينها التام بأضرار وجودها على استقرار الأسرة وسلامة الأبناء وحفظ هويتها وفي تشتت مواردها المالية أخيراً، لكن، ومع كل تلكم النتائج السلبية الواضحة تظل الأسرة البحرينية تُفضِّل وجود عنصر أجنبي داخل كيانها تحت عناوين مختلفة كالتباهي والاستهلاك والتعلل بعمل أفراد الأسرة مع سوق مبررات مضحكة ومحزنة في آن واحد تبرر من خلاله تلكم الأسر أهمية وجود الخادمات بين أفرادها على الرغم من إيمانها التام بخطورة هذا العنصر الجديد وسط الأسرة، ومع معرفة كل حجم الخسائر المعنوية والمادية التي تصيب كيانها إلا أنها لا تستطيع إلا أن تفعل ذلك تماشياً مع رغبة المجتمع الاستهلاكي ولو كان كل ذلك على حساب وضعها النفسي والمالي.

يجب أن تكون معايير جلب العمالة المنزلية من طرف الحكومة شديدة ومعقدة ومشروطة بشروط شبه تعجيزية من أجل أن تعود الأسرة البحرينية إلى مستقرها ووضعها الطبيعي. نعم، ربما تُستثنى بعض الأسر -وهي قليلة للغاية- التي لديها ظروف قاهرة فتحتاج لخادمة بسبب تلك الظروف، لكن لا عذر لمن يملكون مقومات الإنتاج الفعَّال داخل عالم الأسرة فيقومون باستيراد «شغالات» أجنبيات يقمْنَ بدور المعلمة والمربية والمنظِّفة وكل شيء كان يقوم به كلٌّ من الأم والأب والأبناء، والسبب، لأن الأم اليوم أصبحت «لاهية» بجوالها مع صديقاتها لتصوير الفساتين والكعك، أمَّا الأب فسيظل مشغولاً في المقاهي مع «الرَّبع» حتى الفجر، بينما الاثنان- الأم والأب- لا يعلمون أين يتواجد الأبناء بقية الوقت، أمَّا المستفيد الوحيد من كل هذه الدوامة الأسرية التي تؤدي إلى الضياع هي «الخادمة» التي تستلم راتبها نهاية كل شهر برسم ضحكة عريضة ساخرة من الجميع على «خيبتهم».