جاءت كلمات صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، لدى تفضله بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، بافتتاح جامع المغفور له بإذن الله تعالى صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين الأسبق طيب الله ثراه في منطقة عوالي، لتجسد معاني الوفاء والإجلال لرمز من رموز البحرين وأحد رجالاتها الذين واجهوا الصعاب والتحديات، وبذلوا الجهد لوضع اللبنات الأولى لبناء نهضة الوطن، وكرسوا حياتهم لخدمة الوطن، ولذا جاء تشييد هذا الصرح الكبير تخليدا لذكراه ليبقى شاهدا على عطاءاته وقدوة للأجيال القادمة في قيمة العمل والإخلاص.

وعبّرت كلمات صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء بصدق عن وجدان الوطن وشعبه، الذي لا ينسى أبداً إسهامات رجاله المخلصين، ويحفظ لهم جميل ما صنعوا لإعلاء مكانة الوطن، وذلك حينما قال سموه: "إن تخليد ذكرى الأوائل الذين وضعوا اللبنات الأساسية لما نعيشه اليوم من تطور شامل واجب علينا، وهو رد بعض من جميل أصحاب الفضل فيما وصل إليه وطننا بحمد الله من تقدم وازدهار".

ويأتي إنشاء جامع المغفور له بإذن الله تعالى صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين الأسبق طيب الله ثراه في منطقة عوالي، بتوجيهات سامية من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، ليشكل لفتة كريمة من جلالته، تعبيراً عن التقدير والاعتزاز بجهود جده صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، ولكي يضيف هذا الصرح، الذي يمثل معلماً دينياً شامخاً، لبنة جديدة في بناء البحرين الحديثة، والتي كان للشيخ سلمان دور لا ينسى سجله التاريخ في إرساء دعائم نهضة البحرين الحديثة، وتأسيس أركان العمران والإزدهار التي قامت عليها.



فقد كان صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة رمزا وقامة رفيعة في تاريخ البحرين الحديث، وقائدا حكيماً أحب شعبه ووطنه وبادله حباً بحب، وتميز بالهيبة وصدق الكلمة والأناة والصبر وحسن الإدارة، وكانت له نظرته النافذة التي تتسم بالجد والحزم والذكاء والفطنة والكفاءة، واتصف بالحكمة وكرم الأخلاق وحصافة الرأي.

ومنذ توليه الحكم في 22 فبراير 1942 كان برنامج صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة في الحُكم يتمثل في التمسك بالدين الإسلامي، والقيم العربية والعمل على تطوير البحرين وإزدهارها، ولخص الشيخ سلمان سياسته في قوله "لقد كانت سياستنا دوما وأبدا رفع مستوى هذه البلاد ودفعها في طريق التقدم وموكب الحضارة والرقي".

كما شهد عصره تطورا في الكثير من المجالات، وبرزت المؤسسات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتعليمية بشكل لم تعهده البلاد من قبل.

وشهدت البحرين في عهده الذي استمر زهاء عشرين عاماً 1942 – 1961 تطورا إداريا وتنظيميا للدولة الحديثة، حيث أنشأ لأول مرة في تاريخ البحرين، المجالس واللجان التي تعبر عن تطلعات المواطنين، ومنها المجلس الإداري ومجلس الصحة ومجلس المعارف وهيئة الري واللجنة الاستشارية لقانون العمل، كما تأسست في تلك الفترة لبنات الجهاز الحكومي الكامل، فأنشئت دوائر العمل والعلاقات العامة والإذاعة والمجلس البلدي ودائرة المواصلات، وتوسعت الخدمات البريدية والنقليات والزراعة والتسجيل التجاري.

وحققت البحرين في عهد المغفور له بإذن الله تعالى صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة الكثير من المنجزات على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ونجح الشيخ سلمان في إرساء علاقات صداقة قوية مع شيوخ وحكام وملوك ورؤساء الدول الخليجية الشقيقة والدول العربية والأجنبية، وتبادل معهم الزيارات الودية التي أسهمت في توطيد علاقات البحرين بدول العالم.

وحظيت البحرين في عهد صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة بالتطور الاقتصادي السريع، وأصبحت البحرين في عهده مركزا ماليا وتجاريا بحكم موقعها الجغرافي، وكان شغله الشاغل تأمين احتياجات المواطنين والحفاظ على مكتسباتهم، وكان يتفقد الأسواق شخصياً ويزور جميع التجار للاطمئنان على أحوالهم.

واهتم صاحب العظمة بشعبه وأعطى جُل اهتمامه للعنصر البشري، وسعى لأن يتبوأ المواطن البحريني المراكز القيادية في إدارة البلاد.

وفي عهده الميمون تطورت البنية التحتية، حيث عمل على تطوير مطار البحرين ، وتدشين العمل في ميناء سلمان، وإنشاء محطات الكهرباء وإنشاء مشاريع كبيرة في إسالة المياه وحفر الآبار الإرتوازية، وفتح خطوط الاتصال الهاتفي الخارجي بين البحرين وغيرها من البلدان.

وحين تولى الشيخ سلمان الحكم كان دخل البلاد 3 ملايين و 750 ألف روبية، وعند حلول عام 1958 أصبح الدخل 52 مليون و 900 ألف روبية، وعام 1961 وصل الدخل إلى 75 مليون روبية، وذلك نتيجة ازدهار التجارة وزيادة عوائد النفط.

كما اهتم المغفور له بإذن الله تعالى، صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، بجانب تطوير أسس الدولة الحديثة برفاهية شعبه وتحقيق طموحه وطموح شعبه، حيث اهتم الشيخ سلمان بتطوير المؤسسات الصحية ونشر التعليم وإيفاد البعثات للتعليم والتدريب في الجامعات الكبرى، وكانت لرعاية الشيخ سلمان للشباب أكبر الأثر في انتشار الأندية الثقافية والرياضية في المدن والقرى.

كذلك اهتم المغفور له الشيخ سلمان ببناء المساجد ودُور العبادة، وعمل على نشر علوم القرآن والفقه، كما عُرف عن الشيخ سلمان بأنه كان يباشر بنفسه تطور العمل في المشاريع المختلفة فكان يقوم بزيارات مفاجئة بدافع من حرصه على إتقان العمل وإنجازه.

وكان المغفور له الشيخ سلمان بن حمد محبا للأدب العربي والشعر الفصيح والنبطي، حيث كانت كتب الأدب ودواوين الشعر دائما تحظى باهتمامه وقرب إليه الشعراء.

ويعد عصر الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة عصر الإعلام بامتياز، فقد برزت في عصره إذاعة البحرين حيث افتتح محطة إذاعة البحرين في 21 يوليو 1955، كما اهتم بالصحافة، وعرفت البحرين في عهده من عام 1942 إلى 1961م صدور العديد من الجرائد والمجلات بشكل بات يمثل منعطفا متميزا في سماء البحرين الثقافية والإعلامية، حيث بلغ عدد الصحف التي صدرت في عهد زهاء 12 صحيفة.

ويأتي إنشاء جامع المغفور له بإذن الله تعالى صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة ليضيف منارة إسلامية جديدة لنشر علوم القرآن والفقه، وذلك ضمن ما توليه مملكة البحرين من اهتمام بعمارة المساجد والجوامع ودور العبادة، إذ يعد الجامع أكبر صرح ديني في المحافظة الجنوبية بمساحة تبلغ 6850 مترا، ويشتمل على مصلى يتسع لـ 5150 مصليا بواقع 3550 من الرجال و1600 من النساء، ويضم عددا من فصول تدريس القرآن الكريم وعلومه، بالإضافة إلى مجلس ومكتبة وموقف للسيارات يتسع لـ600 سيارة.

ويبقى القول، إن صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة كان رائد مدرسة خاصة في الحُكم والادارة والتفاني من أجل الوطن، ولا يزال أبناؤه وأحفاده يقتبسون من نهجه في استمرار عملية البناء والتطوير، حتى باتت البحرين منارة حضارية متطورة تنعم بمستويات متقدمة من الازدهار ولازالت تسير قُدما وبخطوات واثقة لخير جميع أبنائها، حافظة في الوقت ذاته جميل رجال الدولة وجهودهم العظيمة، وحريصة على تخليد ذكراهم وتسليط الأضواء عليها، حتى تغرس في نفوس الأجيال الجديدة قيم الوفاء والإخلاص وتعريفهم بما قدمه الآباء والأجداد من إسهامات تاريخية، وما سطروه من أمجاد مهدت الطريق لرفعة الوطن وتحقيق أمال شعبه وطموحاتهم.