عرض تقرير بثته وكالة أنباء البحرين (بنا) معلومات مفصلة عن اللجنة الوطنية العليا التي تشكلت في العام 2000 وكلفت بإعداد ميثاق العمل الوطني.

وقال التقرير إن اللجنة ضمت كل فئات المجتمع البحريني ولم تخضع لأي سقف في عملها ولم تعترضها أي قيود، قبل أن يلقي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى خطابه الشهير يوم الانتهاء من إعداد الميثاق ويقول فيه "سنبقى معكم يداً بيد على امتداد المسيرة، وهذه يدي ممدودة إلى كل بحريني وبحرينية، كما امتدت في بيعة العهد، وكما ستمتد في بيعة التجديد، هذا التجديد والتحديث الوطني الشامل الذي ستتميّز به أجمل أيامنا المقبلة بإذن الله".



وجاء في التقرير "في ذكرى التصويت على ميثاق العمل الوطني نستذكر أياماً جميلة وطامحة في تاريخ هذا الوطن، فمنذ اليوم الأول لتولي حضرة جلالة الملك المفدى الأمانة عام 1999 بدأ جلالته مبادراته الإصلاحية الشاملة، وكان أبرزها في 23 نوفمبر 2000، حيث أصدر الأمر السامي بتشكيل اللجنة الوطنية العليا لإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني لخوض مرحلة جديدة من العمل الوطني في البحرين، وقد تشكلت اللجنة من رئيس اللجنة سمو الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة الذي كان حينها وزيراً للعدل والشؤون الإسلامية، ونائبه إبراهيم محمد حسن حميدان رئيس مجلس الشورى رحمه الله، و44 عضواً".

مهمة وطنية كبيرة

وأورد التقرير عدداً من الملاحظات حول تشكيل اللجنة، لخصها بـ"أولاً: ضمت اللجنة كافة فئات المجتمع البحريني من خيرة أبناء الوطن، وهذا يؤكد رغبة القيادة الحكيمة في أن يصوغ الشعب البحريني مستقبله بيده ودليل صادق على إيمان جلالة الملك المفدى حفظه الله بضرورة المشاركة الشعبية، ويؤكد أن جلالته يريد أن يبني وطناً للجميع لكل أبناء البحرين، يريد أن يبني دولة تقوم على الوحدة الوطنية والتوافق الاجتماعي والسياسي ويقدم البرهان على ذلك.

وشملت اللجنة ممثلين عن السلطة التشريعية (رئيس مجلس الشورى وأعضاء من المجلس) والسلطة التنفيذية، وفعاليات المجتمع المدني، ومتخصصين وقانونيين واقتصاديين وعلماء دين وأكاديميين ومهندسين، ولم تغب المرأة البحرينية عن تشكيلة اللجنة فقد شاركت 6 سيدات من إجمالي أعضاء اللجنة أي حوالي 13%.

ثانيًا: لم تخضع اللجنة لسقف معين في عملها فلم يتم وضع سقف زمني كما لم يتم وضع سقف على طبيعة الموضوعات التي تتناولها، ولم تعترضها أي قيود بل تمت تهيئة المناخ لها لتعمل في روية، وتم منحها الحرية الكاملة في مناقشة كافة بنود مسودة الميثاق الوطني والموافقة عليها بنداً بنداً في عرس ديمقراطي شهده العالم وأشاد به.

ثالثًا ـ أعطى الأمر الملكي اللجنة الحق في أن تستهدي في مهمتها بتجارب الدول الأخرى، التي تتشابه ظروفها الدستورية والسياسية مع ظروف دولة البحرين، وذلك يؤكد إيمان جلالته بضرورة دراسة تجارب الأمم واستخلاص الدروس المستفادة منها وهي دعوة انفتاحية كان لها أهميتها في صياغة بنود الميثاق الوطني.

وانطلقت أعمال اللجنة التي اضطلعت بمهمة وطنية كبيرة وثقيلة في آن واحد، فقد حملت على عاتقها إخراج ميثاق وطني عصري، وكان من حسن الطالع أن بدأت اجتماعات اللجنة واختتمت في شهر رمضان المبارك حيث بدأت في الثامن من رمضان وانتهت يوم السبت السابع والعشرين، أي في العشر الأواخر من الشهر الفضيل.

وناقشت اللجنة مسودة الميثاق التي كانت وثيقة سياسية عصرية، توضح الإطار العام للتوجهات المستقبلية للدولة في مجالات العمل الوطني، ودور مؤسسات الدولة وسلطاتها الدستورية في هذا الشأن، مع مراعاة القيم والمبادئ الراسخة والسائدة في دولة البحرين، والملامح الأساسية لتراث وتجربة الشعب البحريني في العمل السياسي، وكافة مجالات العمل الوطني في المرحلة السابقة باعتبارها أساسية، ومنطلقاً للعمل في المرحلة المقبلة.

وعقدت اللجنة ستة اجتماعات أيام 4، 6، 9، 11، 13، 18 ديسمبر 2000 حتى انتهت من إعداد المشروع ورفعه إلى جلالة الملك المفدى في 23 ديسمبر 2000، وفي هذه الجلسات تحاورت اللجنة في مختلف وأبعاد مشروع الميثاق، وكانت لا تنتقل من بند إلى آخر إلا بعد مناقشته باستفاضة، والموافقة عليه بروح المسؤولية وفي مناخ فكري اتسم بالانفتاح، وتبادل الآراء.

وتشرف رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية العليا لإعداد الميثاق الوطني برفع الميثاق إلى عاهل البلاد المفدى الذي ألقى في هذا اليوم كلمة بهذه المناسبة قال فيها "هذا يوم أغر من تاريخ البحرين ولحظة مجيدة في مسيرتنا المشرفة. ويمكننا القول بثقة إن إنجازكم مشروع الميثاق الوطني يمثل خطوة متقدمة في مسيرة التحديث السياسي للدولة والنظم والمؤسسات بما يلبي تطلعات شعب البحرين الناهض نحو المزيد من التطور والتقدم الحضاري".

وأضاف جلالته "وإنه لمبعث اعتزازنا أن نتوصل إلى هذا الإجماع الوطني المتقدم والمتمثل في مشروع الميثاق الوطني بعد لقاءات من التحاور السمح والهادف مع مختلف قطاعات مجتمعنا المدني وممثليه".

وفي ختام كلمته السامية خاطب جلالته أعضاء وعضوات اللجنة الوطنية العليا لإعداد الميثاق الوطني بكلمات مؤثرة قائلا: "سنبقى معكم يداً بيد على امتداد المسيرة، وهذه يدي ممدودة إلى كل بحريني وبحرينية، كما امتدت في بيعة العهد، وكما ستمتد في بيعة التجديد، هذا التجديد والتحديث الوطني الشامل الذي ستتميّز به أجمل أيامنا المقبلة بإذن الله".

قيادة التحول السياسي

وأضاف التقرير "طرح العاهل المفدى مشروع الميثاق الوطني كما انتهت إليه اللجنة المذكورة للاستفتاء الشعبي العام يومي 14، 15 فبراير 2001، وأكد إعلان الدعوة للاستفتاء حق الرجال والنساء البحرينيين كافة البالغين من العمل 21 عاماً في المشاركة بالتصويت.

ونال الميثاق موافقة 98.4% ممن لهم حق التصويت، وبنسبة مشاركة بلغت 90.3%، ليمثل الميثاق الوطني بذلك ثاني التحولات الكبرى الأكثر أهمية في تاريخ البحرين الحديث بعد الاستقلال الذي يعد التحول الأول، فقد مثّل الميثاق نقلة تاريخية في مسيرة البحرين نحو الديمقراطية ودولة المؤسسات، وضمن العقد الاجتماعي للبحرين وطناً لجميع أبنائه، وفق مفهوم المواطنة الدستورية، بما تضمنه من مبادئ إنسانية وحقوقية سامية، وغدا القاعدة الأساس لجميع التغييرات السياسية التي شهدتها المملكة.

ودشن الميثاق العهد الإصلاحي الشامل على أسس وطيدة تمثلت لاحقاً في إصدار الدستور الوطني، وتحول البحرين إلى مملكة دستورية، تقوم على أسس راسخة من الحقوق والعدالة والمساواة والشفافية، ومكفولة بقوة الدستور والقوانين، وليصبح ميثاق العمل الوطني مجسداً للعقد الاجتماعي الذي يجمع المواطنين بجميع فئاتهم، ويصهر المكونات المجتمعية في بوتقة الوطن الواحد لجميع أبنائه على قدم العدالة والمساواة.

وعقب الإجماع الشعبي على الميثاق الوطني، أصدر جلالة الملك المفدى في 24 فبراير 2001 المرسوم رقم 6 لسنة 2001 بإنشاء لجنة تفعيل ميثاق العمل الوطني، بهدف مراجعة جميع القوانين والتشريعات الوطنية، واقتراح التعديلات والآليات اللازمة لتنفيذ مبادئ الميثاق، وتم تشكيل اللجنة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 15 لسنة 2001، وترأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وضمت في عضويتها 14 عضواً منهم سيدتان.

وعقب عمل متواصل لهذه اللجنة استمر نحو عام صدر الدستور المعدل في 14 فبراير 2002، الذي قنن المبادئ التي احتواها ميثاق العمل الوطني.

إنها أيام خالدة في تاريخ مملكة ناهضة عظيمة بقيادتها الحكيمة وأبنائها البررة، وهذا التاريخ المجيد يسجل لجلالة الملك رؤيته السياسية وجرأته في المبادرة وقيادة التحول السياسي في البلاد على نحو فاجأ الأوساط السياسية الداخلية والإقليمية والخارجية".