على اعتبار أن هناك جدلاً واسعاً وطويلاً بشأن مقولة «المال لا يشتري السعادة»، وكيف أن البعض يرى أن هذه المقولة، ما هي إلا إنتاج ابتكره بعض الأغنياء ليؤثروا على الأقل منهم ثراء، أو باحترام التوصيف الـ«فقراء»، إلا أن معظم الناس يرى في المال «هدفا»، وليس «وسيلة»، يعتبره «عصب الحياة»، لا «مورداً» لتسيير الحياة، وهذه جدلية «مالية» أخرى.

لكن بعيدا عن الجدل، مع استمرار الحديث عن «المال»، تثير الاهتمام هنا دراسة قام بها عدد من العلماء بجامعتي «فيرجينيا» و«بوردو» في الولايات المتحدة، كان هدفها الإجابة على تساؤل واحد مفاده «ما هو الراتب الذي يجعل الإنسان سعيدا وراضيا في معيشته»؟!

الدراسة استهدفت عينة ضخمة، بلغت مليوناً و700 ألف شخص من 164 دولة حول العالم، متبايني الرواتب، ومن أعمال عديدة، وكان الهدف معرفة إجاباتهم بشأن مدى رضاهم عن وضعهم المعيشي.

الدراسة خلصت لنتائج مثيرة، وتتلخص في التالي:

* المتوسط المثالي حتى يشعر الإنسان بالسعادة يبلغ 95 ألف دولار سنويا «35720 ديناراً بحرينياً».

* للوصول إلى الرضا عن الوضع المعيشي، لا بد أن يتراوح مرتبه السنوي بين 65 إلى 70 ألف دولار «24500 إلى 26320 ديناراً بحرينياً».

* الرجال يحتاجون لمبالغ أقل من النساء، فالرجل يكفيه سنويا 90 ألف دولار «33840 ديناراً بحرينياً»، والمرأة تحتاج إلى 100 ألف دولار «37600 ديناراً بحرينياً».

* كلما ارتفع مستوى التعليم، كانت الطموحات والاحتياجات أكثر، بالتالي كانت الحاجة لمبالغ أكبر لتحقيق السعادة المعيشية.

* المبالغ تتباين حسب الدول طبعا، فأعلاها في أستراليا حيث يحتاج المواطن 125 ألف دولار سنويا «47000 ديناراً بحرينياً»، وأدناها في أمريكا اللاتينية بواقع 35 ألف دولار «13160 ديناراً بحرينياً» للشخص.

لكن الملاحظ أن الدراسة لم تحدد أرقاماً للدول العربية والخليجية، وهي المسألة التي ستهم الكثيرين هنا وفي المنطقة، إذ يظل السؤال معلقاً «كم ألفاً تحتاج في العام حتى تحقق مستوى السعادة المعيشية»؟!

أعود للجدلية التي بدأنا بها، والمعنية بمعادلة «المال والسعادة»، إذ هل بالفعل أنك تحتاج للمال حتى تحقق السعادة المعيشية؟!

كثيرون سيجيبون بـ«نعم»، وهي إجابة واقعية، وجزء قليل سيجيب بلا، وهي الإجابة الموغلة في المثالية، كما يصفها من يعانون في حياتهم المعيشية، بين عدم كفاية المدخول أمام ارتفاع الأسعار، وزيادة أعباء الصرف.

من هو المصيب ومن هو الخاطئ هنا؟!

الإجابة بأنه «لا أحد»، إذ حتى بالرجوع للدراسة، فإن قياس «السعادة المعيشية» بمقارنتها بـ«المدخول السنوي»، تظل مسألة افتراضية، باعتبار أن المال لا يشتري السعادة، لكنه يساعد في تحقيقها، ويخفف الحزن والقلق، بخلاف حالات شاذة ممن يعتبرون «جمع الأموال» سبباً للقلق والتوجس من ضياعه وإنفاقه، وأنه سيذهب ولن يعود.

بالنسبة لمتوسط الدخل المناسب في بلادنا والذي من خلاله يمكن للفرد تحقيق سعادته المعيشية، بتوضيح أنها معينة باستيفاء كافة متطلبات الحياة من مصاريف والتزامات وضمان عيش كريم بلا عوز، فإننا لم نسجل محاولة واحدة لقياس ذلك، رغم أهمية أخذ المبادرة لمعرفة هذا المتوسط في ظل موجة الغلاء وارتفاع الأسعار وزيادة الرسوم وإقرار بعض الضرائب، إذ هذه الدراسة إن كانت تستهدف عينة ممثلة نموذجية، قد تساعد لبيان الفارق بين قدرة المواطن على مواجهة المتغيرات الاقتصادية، وقياس القوة الشرائية، وبالتالي يمكن أن تقود لتصحيح مسارات أو تعديل توجهات، أو ضبط للنسبة والتناسب بين المداخيل والمصاريف.

لكن يظل الحديث عن السعادة وارتباطها بالمال مسألة عالقة بشأن حسم هذه العلاقة، وهل ستكون سعيداً لو كنت ذا مال وفير؟! أو أن التعاسة مكتوبة لك بحجم المال الذي تمتلكه؟!

قال رسولنا الكريم صلوات الله عليه في الحديث الشريف: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».