كتبت مقالاً قبل فترة عنوانه نحن بحاجة إلى (ريستارت) للعمل السياسي، ترشيحاً وانتخاباً وحتى ممارسة لحقوقنا السياسية والمدنية، لأن بداية انشغالنا واشتغالنا بالسياسة شابها الكثير من الانحراف والابتعاد عن روح الميثاق وجوهر الدستور.

واليوم تجري إعادة النظر بمنظومة تشريعية لها علاقة بممارسة هذه الحقوق من أجل حماية الدستور و حماية الأفراد الذي يعملون في الشأن العام.

بالتصويت على المقترح بقانون الذي يمنع قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية التي أدينت بارتكاب مخالفات جسيمة ضارة بالدستور من الترشيح، سنصحح بعضاً من ذلك الانحراف بإبعاد جميع من اشتغل على «هدم الدستور» عن الساحة السياسية.

ستعمل النائحات الآن على تشويه مبررات هذا المقترح بقانون على أنه محاولة لإبعاد (قيادات المعارضة) عن الساحة السياسية، وفي الحقيقة هذه (القيادات) أتيحت لها كامل الحرية أن تعمل أكثر من عشر سنوات دون أن تمس وأخذت كامل راحتها وتمددت ومارست حقها وزادت عليه وسكتت الدولة ولم تحرك ساكناً وهي ترى تلك المخالفات، والنتيجة هي ما شهدناه، فحرقت تلك (القيادات) البلد وحملت معول الهدم للدستور عن سبق إصرار وترصد وحفرت تحت جداره.

خالفوا كل القوانين التي لها علاقة بالحقوق المدنية والسياسية، أسسوا أحزاباً طائفية، خالفوا قانون التجمع وقانون المطبوعات وقانون النقابات، أفرغوا كل القوانين من جوهرها، صرخوا علناً أن القوانين تحت حذائهم، بحجة أن تلك القوانين لا تتماشى مع العهود الدولية!!

هذه هي الحقيقة، تلك القيادات التي ارتكبت مخالفات جسيمة، وعملت على تعطيل الدستور لا تستحق أن تتمتع بما وضعوه تحت حذائهم، دستور لا تحميه، دستور لا تستحق أن تتمتع بمميزاته.

قيادات دخلت العملية السياسية وهي تعمل من أول يوم على إسقاط الدستور، حتى حلفهم عليه قالوا إنه حلف على الدستور السبعيني!

تمتعوا بكل مميزاته بما فيها المادية وحملوا خنجرهم يطعنون فيه في كل محفل، هؤلاء لا يستحقون أن يتمتعوا بما طعنوا فيه كذباً وزوراً وبهتاناً.

هذا القانون يعيد الأمور لنصابها، إن من يريد أن يتمتع بحقوقه السياسية عليه واجب احترام الدستور الذي منحه هذه الحقوق ويحميه ويحافظ عليه، وإن رأى أن هناك بنداً يحتاج لتعديل فتتم عملية التعديل وفقاً للضوابط التي وضعها الدستور، وإن أراد التمتع بمنظومة الحقوق السياسية الشاملة عليه أن يلتزم بضوابطها القانونية، فإن رأى أن بها عسفاً أو جوراً، فليعدلها أيضاً بالآلية التي وضعها الدستور، فإن خالف الدستور مخالفات يدينها القضاء فلا يستحق أن يتمتع بتلك المميزات وتلك الحقوق.

هذه قاعدة عدلية لا جدال فيها تحفظ الأمن وتحفظ حقوق الآخرين والجماعات وتلقن الأجيال القادمة الراغبة في الانخراط بالعمل السياسي أن «الدستور» له احترامه وقدسيته وليس لعبة انتقي منها ما أشاء وأرفض علناً وأدوس على ما لا أشاء، فإن دخلت هذه الساحة عليك احترام الميثاق الذي صوت عليه واحترام الدستور الذي نظم لك حقوقك، هكذا يجوز لك أن تكون ممثلاً عن الأمة أميناً على ما أقسمت عليه.

الجرأة في الإقرار بالانحراف وتصحيحه فيما جرى طوال السنوات اللاحقة للتصويت على الميثاق، والجرأة على تقييم الأمور والانطلاق من الواقع المعيش تشريعاً لا من الواقع الافتراضي خطوة تستحق منا التقدير والاحترام، علنا نبدأ بداية صحيحة هذه المرة.

والأهم أن تتيح البيئة الصحية هذه المرة أن يتشجع ذوو الكفاءة بخوض المجال السياسي، خاصة بعد موافقة مجلس الوزراء على مقترح بقانون مرفوع من مجلس الشورى بتشديد العقوبة ضد كل من ينشر بإحدى طرق العلانية أخباراً أو صوراً أو تعليقات تتصل بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد ولو كانت صحيحة إذا كان من شأن نشرها الإساءة إليهم، ووافق المجلس على مشروع قانون لتعديل قانون العقوبات لتكون بموجبه العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تزيد عن سنة، وغرامة لا تقل عن 100 دينار ولا تتجاوز عن 500 دينار.

فقد وصلنا إلى منحدر خطير من إساءة استخدام الامتيازات والحقوق والحريات التي منحها الدستور في السنوات الأخيرة في إدارة الصراعات السياسية، حتى خلقنا سوقاً لتأجير البلطجية في وسائل التواصل الاجتماعي والانحدار بتلك الإساءة لتلك الحقوق إلى درجة أجازت أدوات محرمة شرعاً وعرفاً وقانوناً ففتحت الباب لرمي المحصنات وقذف الناس بشرفهم ونزاهتهم وتأجير فتوات وبلطجية وسائل التواصل الاجتماعي للحرب بالوكالة، فراج سوق هؤلاء واستخدمهم كل من أراد الانتصار على خصومه السياسيين، تلك بيئة لا يمكن أن تسمح لأي كفاءة أن تفكر بخوض العمل السياسي مستقبلاً وتحمل أي كفاءة على التعفف والانزواء.

إن تنظيف البيئة السياسية بتلك المنظومة الحقوقية ستعيد الأمور لنصابها وتفتح المجال من جديد لبداية نظيفة.