موسى راكان

فيما يعبر عدد من الأبناء عن مخاوفهم من أن يؤدي الفراغ الذي يعيشه آباؤهم بعد التقاعد إلى الاكتئاب، يرى متقاعدون أن الأبناء يبالغون في مخاوفهم ويعاملونهم كأطفال، في حين يستمتع كثير منهم بتقاعده.

العم صالح أو «البرنس» كما يحب أن يناديه زملاؤه، أربعيني له خمسة أبناء، أُحيل للتقاعد المُبكر نتيجة إصابة عمل، وكان بمقدوره البقاء مرتاحاً دون عمل لكن الراحة اتعبته فعمل «كاشير».



ينصح الأربعيني العتيق في مهنة الكاشير كبار السن والمتقاعدين بالعمل وألا يركنوا للراحة، فالعمل «أفضل من إضاعة الوقت في المقاهي، كما أنه الأفضل في مواجهة الملل الذي يصيبهم».

أسوأ ما في مهنة الكاشير «الجلوس على نفس الكرسي لوقت طويل» كما يقول العم صالح. وأفضل ما فيها أنها «حلقة وصل بين الزبائن والمحل، ما يمنح الكاشير خبرة في قراءة اختلافات الناس، أي تكسبه الحكمة في التعامل الاجتماعي».

لسنا أطفالكم

ولعوض أحمد (53 سنة) المتقاعد منذ أربع سنوات، وجهة نظر مختلفة تماماً، يقول «بعد التقاعد وجدت أخيراً الراحة ووقتاً أقضيه مع أحفادي وعائلتي»، مضيفاً «التقاعد يترافق عادة مع التقدم في السن. وكبر السن يعني ضعف الجسد أمام الأمراض، فحتى لو لم يتقاعد الفرد فإن تقدمه في السن لن يتوقف وسيصيبه المرض على أي حال».

ويزيد «يصعب تغيير الروتين الذي كنت فيه قبل التقاعد. مازلت أستيقظ مبكراً فساعتي البيولوجية رهن ما اعتدته من روتين الدوام. أقضي يومياً خمس ساعات في السوق كما لو كنت في عمل».

وعن قلق أبنائه عليه يقول «يبالغون في رعايتي لأنهم يخشون أن أفقد عقلي فجأة خصوصا أني كبير بالسن ولا عمل عندي الآن، يسود اعتقاد في مجتمعنا بأن العمل يحمي الإنسان من الزهايمر (..) علاقتي مع رفاق العمل قائمة وإن كان التواصل أقل. نلتقي في المقهى أو نخرج في رحلات للبر أو البحر. ولا نية عندي للعودة إلى العمل، لكن أبنائي أجمعوا على فتح مشروع صغير لي لإشغالي. خوفهم عليّ مبالغ فيه، لكن لتلك القصص عن زهايمر العاطلين ومرض المتقاعدين أثراً كبيراً في النفوس».

محمود العلي (47 سنة) متقاعد حديثاً يقول «الأبناء يبالغون في الاهتمام بنا نحن المتقاعدين، لذلك تكون رعايتهم لنا فوق الطبيعية فيحاولون على فتح مشاريع وإجبارنا على العمل فيها، وبعضنا يقبل لأنه في وضع محرج، فأبناؤنا يعاملوننا كما لو كنا أطفالهم. أنا شخصياً أشعر بالضيق إن عاملني أحدهم بطيب زائد فكيف بأبنائي، لذلك أحياناً كثيرة أخرج عن طوري معهم وأصرخ بهم بأن يعاملوني بشكل طبيعي».

وعن كيفية تمضية وقته يقول «الآن أجد وقتاً أكثر أكون فيه مع الله. أذهب مبكراً للمسجد وأكون آخر الخارجين منه. وتقريباً أحضر كل المحاضرات الدينية. وحالياً أفكر في الإشراف على جلسة تحفيظ قرآن للأطفال. أعتقد بأن التقاعد فرصة أمام المرء ليستقبل الله كما يحب، ليصحح أخطاءه ويقضي ما عليه للناس ولرب الناس».

لما تقاعدوا تمنوا العمل

خالد علي (22 سنة) لم تزد رؤيته لوالده علي عبيد (57 سنة) عن الشهر والنصف منذ أن تقاعد في أواخر 2015، فوالده سافر في 2016 «في رحلة علاج إلى الهند، ثم ذهب معتمراً، وبعدها لبى نداء الحج، ثم اعتمر مجدداً عاد في نفس السنة. وذهب في زيارة لليمن. وحالياً تتكرر سفراته للسعودية إذ ينوي فتح مشروع عمل فيها».

وعن كثرة سفر والده، يقول الابن «ماذا تتوقعون من شخص قضى 30 سنة من حياته يعمل؟! التوقف صعب جداً. مل والدي الجلوس منذ الأيام الأولى للتقاعد رغم أنه كان يتمنى التقاعد، فلما تقاعد تمنى العمل». ويضيف «علاقة والدي مع زملائه لا تزال قوية».

هشام سيدم (25 سنة) عايش عدداً من المتقاعدين من أقربائه وآباء أصدقائه، يقول «كثيرون يلزمون المنزل بعد التقاعد فتزيد المشاكل الأسرية بفعل «الفضاوة». وأحدهم اختار بعد التقاعد أن يتزوج الثانية بدعوى «تجديد الشباب». وأعرف متقاعداً اتفق أبناؤه على فتح «برادة» له ليتسلى فيها».

ويدعو هشام إلى «فتح برامج خاصة بالمتقاعدين، فالمتقاعد بحكم عمله كسب خبرة يمكن للحكومة أن تستفيد منها بتوظيفها التوظيف المناسب كالتعليم أو الإشراف على مستجدي الأعمال في البلاد».

محمد أحمد (34 سنة) يقول «أعرف متقاعداً فتح محلاً لبيع الفواكه والخضار، يبيعها بالسعر الذي يشتريها به، فهمّه لم يكن الربح إنما إشغال نفسه». ويضيف «المتقاعد يفقد عادة وسيلة تواصله مع الزملاء، بالتالي يحتاج المتقاعدون إلى جماعات دعم خاصة بهم أو جمعيات تُعنى بهم (..) المفترض أن يكون التقاعد وقتاً يكون فيه المرء حراً ليستمتع به، لكن الواقع أن كثيراً من المتقاعدين يعانون الكآبة في منازلهم».

ويقول حسين (24 سنة) عن والده الذي تقاعد في أواخر 2016 «والدي يمضي الوقت في مشاهدة التلفزيون بالبيت وهذا سيضر بصحته النفسية والجسدية. لذلك أنصحه كثيراً بالحركة». ويضيف «مازال أبي يتواصل مع أصدقائه لكنه نادراً ما يخرج معهم».