كما تدور الكرة الأرضية حول نفسها في هذا الكون الكبير مرة كل 24 ساعة، كذلك أيامها تدور لتمنح كل إنسان حصيلة أفعاله.

«1»

طرق عليه باب منزله مستنجداً.. بصوته الممزوج بالحرقة والألم، أخذ يرجوه وهو ممسك بيد ابنه اللاهي مع «رفقاء السوء»: سيضيع ابني مني.. ورحمة والدك الطيب أوجد له وظيفة تشغله عن حماقاته.. سيضيع أكثر لأنه عاطل ووقته كله فراغ.. كان ابنه مستهتراً ولم يكمل دراسته المدرسية.

تأمله قليلاً وقال له: مر علي مع ابنك غداً صباحاً في مكتبي! أهتم بتوظيفه في وظيفة تخرج طاقته «الشريرة» بالكامل وتشغل معظم وقته، ولم يكتفِ بذلك بل أوصى مسؤوله المباشر أن يهتم بأخذه للصلاة لكي يحافظ عليها ويلتزم وأن يجعل له حوافز تشجيعية مغرية إن اهتم بإكمال دراسته المدرسية ومن ثم الجامعية. كان على فترات متباعدة يسأل عنه ويتابع أموره وكأن الله سخره له لسبب لا يعرفه ولا يفهمه وفي وقت كان من الممكن لغيره أن يتجنب توظيف شخص فاشل دراسياً وتاريخه مليء بالمشاكل. لقد رأى في حل مشكلته حل مشكلة عائلة بأكملها كادت أن تضيع بسبب حماقات ابن جاهل لا يهتم بمستقبله وتسبب بالمشاكل لعائلته.

بعد سنوات طويلة مضت كان هذا الابن المتمرد الذي أكمل دراسته وتغيرت شخصيته بالكامل مسؤولاً كبيراً في إحدى الجامعات وورد إليه اسم طالب سيفصل من الجامعة نظراً لكثرة تعثره في الدراسة وعدم انتظامه وتسببه بالكثير من المشاكل وتجاوزاته ضد الطلبة والأساتذة، ما إن وقعت عيناه على اسمه حتى طلب مقابلته شخصياً.. حضر الطالب «المستهتر دراسياً» مرتبكاً وقد شعر أنه لم يطلب بالاسم لهذا المسؤول الكبير إلا وهناك لربما كارثة ستلحق به وأنه حتماً سيسلمه إخطار فصله عن الجامعة، ما إن رآه واقفاً أمامه حتى عادت به الذاكرة إلى مشهد أبيه وهو يمسك بيده ويرجو ذلك المسؤول لتوظيفه بعد أن مل من البحث عن وظيفة وهو بلا شهادة! «ذلك المسؤول الذي هو بالمناسبة جده.. جد هذا الطالب المستهتر». قال المسؤول للطالب بعد تأنيب على تقصيره: اسمعني جيداً.. ما سأسعى إليه لأجلك ليس لك ولا تعتبره «واسطة» إنما لدين أحتفظ به لجدك رحمه الله الذي لولا الله ثم فضله لما كنت هنا اليوم على مكتبي ونسيت درب الضياع الذي مررت به عندما كنت بمثل تصرفاتك وحماقاتك، سأطلب من أساتذتك أن يساعدوك في تعويض الدروس التي فاتتك وسأحل مشاكلك معهم ودياً وسأدفع لهم شخصياً تكاليف دروسك الخاصة على أن تعدني أن تجتهد وتنضبط وتتخرج وفور تخرجك سأوفر لك وظيفة مرموقة هنا إن تميزت في الدراسة!

«2»

سنين طويلة وهو مستمر في فساده الإداري.. كان مسؤولاً عن التوظيف في إحدى الشركات وكان لا يقوم بتوظيف إلا من لديه مصالح مع أهلهم لكي يخدموا معاملاته في الجهات التي يعملون بها أو نساء تربطه بهن علاقات، كان يتعمد استقطاب الشباب الجامعيين بعقود مؤقتة أو يضعهم في فترات تدريب بلا حقوق وظيفية ثم يتخلص منهم، كان يقوم «باللف على القانون» والقانون لا يحمي المغفلين كما يقال، كثير من الشباب خرج من مكتبه بعد أن أدرك أنه لا مستقبل مهنياً لديه وأنه أضاع جهده ووقته، هضم الحقوق الوظيفية لكثير من الشباب وظلمهم، وخرج الكثيرون من مكتبه وهم يرددون كلمة «حسبي الله ونعم الوكيل»، نسي وهو يطغى ويظلم أن الكرسي لا يدوم وما ارتكبه بحق أبناء الناس لن يمر، مرت الشركة بضائقة مالية نتيجة سوء إدارة ثم كارثة مالية كبيرة نتيجة قضية قانونية وشبه جنائية وكان هو كبش الفداء، حيث وضعوه في الواجهة ليتخلوا عنه تعسفياً! خرج من الشركة وهو «مقهور» ومتألم وظل في المنزل عاطلاً عن العمل أكثر من خمس سنوات، وهو يتابع ويلح بأمل ويتصل على من يعرفهم ليسألهم عن وظائف تقدم لها، كانت تمر عليه وجوه كثير من الشباب الذين كانوا يتكلمون معه بنفس النبرة والإلحاح وكان يقصف طموحاتهم بلا أدنى ضمير ويهدم أحلامهم الوظيفية بالتعطيل واللف والدوران!

كما تدين تدان.. إن قمت بالخير ستجد الخير يأتيك وحولك وفي دنياك وليس شرطاً على يد من أحسنت إليه، إنما الخير يأتي من أبواب عديدة أهمها البركة في الحياة والتوفيق لأعمال ترفع درجاتك للدار الآخرة، وإن أسأت للآخرين وظلمتهم فـ»حوبة إيذائهم» ستطال حياتك يوماً وسيشغلك الله عن دروب الخير التي تقربك إليه وتمنحك غنائم رحمته ومغفرته في الدنيا والآخرة.