بين الفينة والأخرى تطالعنا الأخبار الأجنبية عن تطور عسكري جديد أو اختراع ما، وقد أفردت لذلك مقالاً قبل فترة ليست ببعيدة متسائلة عن دورنا كعرب في الصناعات العسكرية والاختراعات، فثمة ما كان بمقدورنا تحقيقه للوصول إلى نهضة صناعية عسكرية لمجتمعاتنا العربية، ولكننا لم نفعل بما فيه الكفاية، وحتى عندما حاولنا الولوج لهذا العالم المتنامي كان الأمر شكلياً أكثر، وعملنا على الصناعات العسكرية بالحد الأدنى والأخف. وقد حتّم علينا التطور العسكري -الذي باتت تهددنا به دول متفرقة من العالم ومنها إقليمية- مراجعة صفقاتنا العسكرية مع الغرب وأمريكا والتي تأتي في حدود الإنتاج الأقدم لهم بينما يحتكرون لصالحهم –بطبيعة الحال- الأحدث والأقوى، ما يجعلنا رغم التزود بالسلاح إلا أننا غير قادرين على أن نكون بمستوى المورد أو مواجهته بسلاحه يوماً.

إن الالتفاتة نحو الصناعات العسكرية تستلزم نهضة حقيقية في مجال البحث العسكري وتقنياته، ويمكن القول إن الالتفات السعودي المتصاعد نحو الصناعات العسكرية أصبح يشكل بارقة أمل في وقت أصبح فيه السلاح ديدن الاستقواء الدولي، وخير شاهد على ذلك أن أغلب الدول الكبرى والصاعدة والأكثر مشاكسة وتأثيراً وعدواناً كلها من الدول المصنعة للسلاح بمختلف أشكاله. ويبدو لي أن السعودية –كبقية الدول الخليجية والعربية– ارتأت في التسلح من خلال صفقات خارجية مع الدول المصنعة للسلاح جدوى وأهمية في حال التهديدات الأمنية والعسكرية لبلدانها وفق المتغيرات التي تشهدها الساحة الشرق أوسطية، ولكنها لا تشكل ضمانة حقيقية في حال وقع أي اشتباك عسكري مع الدول الموردة للسلاح لما تتفوق به من إمكانيات وقدرات عالية تجعلها الطرف الخاسر في المعادلة بلا منازع. ولهذا فإن العناية التي باتت توليها دول خليجية لصناعة السلاح ورغم أنها ما زالت في بداياتها مقارنة بالدول المصنعة منذ قرون وعقود طويلة، إلاَّ أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، والدول الصاعدة التي باتت تهدد الدول الكبرى وتهز عروشها، قد بدأت متأخرة مقارنة بخصومها ولكنها تمكنت بقدراتها من بث الرعب في قلوبهم لحد فضائحي بات يتداوله العالم أجمع.

* اختلاج النبض:

يمكن الالتفات في هذا السياق إلى برنامج «الأوفست» العسكري، الذي يكفل تنمية صناعة البلد المستوردة للسلاح في المجال العسكري من قبل المورد بتكلفة تعادل ربع قيمة العقد، والتي تركز على مجالات متعددة من بينها تنمية الحلول لمشكلات التكنولوجيا، وبدائل النفط، واستثمار المياه، والطاقة، أو صناعة أجزاء من طائرات ومحركات أخرى، وغيرها كثير، بدلاً من توجيه تجار السلاح العرب لميزانيات «الأوفست» لتنمية الصناعات العسكرية في مشروعات أخرى يستغلها التجار في تنفيذ مشروعات الخدمة الاجتماعية لبلدانهم كالمستشفيات والمدارس والجامعات على سبيل ضرب عصفورين بحجر وتحصيل مستوى أعلى من الأرباح بتملص من مسؤوليات الإنفاق التي تفرضها عليه دولهم.