من التعاميم التعسفية القول بضعف لبنان، حتى إن بعض المتحذلقين من أهله قد رمموا ذلك الإحساس ‏بمقولة «قوة لبنان في ضعفه». فهل أصبح ضعف لبنان من الماضي؟ يدفعنا لهذا السؤال ما حدث في ‏نادي ضباط الجيش اللبناني يوم الإثنين 19 فبراير الجاري وكنت حاضراً، حيث شد انتباه الجميع تصريحات قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون حين قال «أؤكد مجدداً اليوم رفضنا القاطع إقدام ‏العدو الإسرائيلي على المس بسيادة لبنان وبحقه المقدس في استثمار جميع موارده الاقتصادية». وتابع ‏‏»لن يوفر الجيش وسيلة متاحة للتصدي لأي عدوان إسرائيلي مهما كلفه ذلك من أثمان ‏وتضحيات». جاءت تلك التصريحات خلال افتتاح المؤتمر الإقليمي الثامن بعنوان: «دعم الاستقرار ‏والتنمية في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط»، والذي ينظمه مركز البحوث والدراسات ‏الاستراتيجية في الجيش اللبناني برعاية الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، وبمشاركة شخصيات وطنية ‏ودبلوماسية وعسكرية، وباحثين وأكاديميين من لبنان وبلدان عربية وإقليمية ودولية ومن منظمات ‏مختلفة. هذا التصريح جاء بعد تصريح مشابه لحسن نصرالله، وبعد ميل -لا يمكن أن تخطئه عين مراقب- ‏من كافة الأطياف السياسية اللبنانية لتبني منحى تعبوي ومزاج وحدة وطنية لبنانية لمنع إسرائيل من ‏إفساد فرحة لبنان، باكتشاف حقول غاز ضخمة في مياهها الإقليمية. رافقها ادعاء تل أبيب بأن منطقة بلوك 9 ‏متنازع عليها. وهي منطقة بحرية لبنانية غنية بالغاز تبلغ مساحتها 2300 كم2. وتحوي ما يزيد عن 340 مليار متر مُكعّب من ‏الغاز. وقد دفع الصهاينة لذلك أن الذي يسبق في عملية التنقيب والتأهيل، سيتمكّن من حصد الكميّة الأكبر ‏من الغاز. من هنا تأتي مخاوف إسرائيل التي لم تستطع حتى الساعة البدء بالتنقيب عن الغاز في حقل ‏كارديش المُحاذي للبلوك رقم 9 وذلك بسبب نقص الاستثمارات، فيما المشاريع اللبنانية أكثر تحركاً. فكان ‏من الضروري لإسرائيل خلق مُشكلة مع لبنان لمنع الشركات النفطية من البدء بالتنقيب عن الغاز في ‏الجانب اللبناني.

* بالعجمي الفصيح:

إن ما تقوم به تل أبيب في تقديرنا هو خلق موقف تفاوضي للجم «حزب الله» عسكرياً من خلال الضغط على الحكومة ‏اللبنانية لحصر السلاح بيد الدولة، والسبب الآخر هو الضغط على الأمريكان للتقليل من دعم الجيش ‏اللبناني. وحتى لا تتحول ثروة لبنان القادمة مكافأة في الشكل وعقوبة في المضمون على اللبنانيين إعادة معايرة بوصلة «حزب الله»، عبر الرئيس عون الذي راهن عليهم سياسياً وعليه أن يراهن ‏عليهم عسكرياً. فالمعركة الحقة ليست في سوريا بل في لبنان براً وبحراً، خصوصاً أن الحزب قد صم آذاننا ‏بأنه قد أغرق بارجة إسرائيلية من طراز «ساعر-5» في البحر المتوسط في 2006، بل وساعد الحوثيين في ‏مهاجمة المدمرة الأمريكية «ماسون» في البحر الأحمر في 2016.

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج‏