عندما يخسر الفرد حياته أو بضع سنين من عمره بسبب عدم تمكنه من التحكم في أعصابه في لحظة معينة والوقوع من ثم في الخطأ الموجب للعقاب قانوناً فليس من صفة تطلق عليه سوى الحماقة، فهو أحمق لأنه لم يتمكن من السيطرة على انفعالاته، وهو أحمق لأنه عبر عن نفسه بطريقة خاطئة ولم ينتبه إلى ما سيؤول إليه تصرفه. هو أحمق لأنه لم يقرأ المشهد قراءة واعية ولم يقدّر العواقب الوخيمة لو أنه استسلم لانفعالاته.

وعندما يعمد شاب في مقتبل العمر إلى حرق إطارات سيارات سيتم إطفاؤها سريعاً ولا تحقق شيئاً من الهدف من ذلك لو كان لها هدف، أو أن الهدف منها بائس كما هو حال كل العمليات من هذا القبيل فليس من صفة بديلة لتلك يمكن أن تطلق عليه، فمن يضيع حياته أو جزءاً منها لتحقيق هدف بائس لا يعود عليه أو على المجموعة التي ينتمي إليها ومن يقف من خلفه أو الشعارات التي يرفعها أي فائدة فالأكيد أنه يستحق مثل هذه الصفة، حيث العاقل لا يقوم بمثل هذا الفعل، وحيث العاقل لا يفعل إلا ما يحقق من ورائه هدفاً مهماً، وحيث العاقل يستطيع أن يقرأ المشهد قراءة سليمة ويستطيع من ثم أن يقدّر أبعاد وعواقب كل تصرفاته.

هذا كلام قاس ومن الطبيعي أن يثير البعض وأن يؤول ويتم إسقاطه على أسماء بعينها، لكنه يعبر عن واقع مؤلم يعيشه بعض الشباب المغرر بهم، فهؤلاء يعتقدون أنهم إن تم ضبطهم متورطين في هذا الفعل أو غيره من الأفعال السالبة سيحتسبون أبطالاً وستدون أسماؤهم في سجل الشجعان وسيفخر بهم ذووهم والمجتمع، ولا ينتبهون إلى أن ما قاموا به عديم الفائدة إلا بعدما تقع الفأس في الرأس ويذوقون طعم الأحكام لوحدهم ولا يصلهم من محرضيهم والمصفقين لهم والمشجعين سوى عبارات التعبير عن القلق التي لا قيمة لها ولا وزن.

من يقوم بأفعال تؤذي الناس ولا تخدم الشعارات التي يرفعها يدخل في من تقع عليهم تلك الصفة، ومن يقبل بخسارة جزء من سني حياته أو خسارة عمره كله من أجل شعارات فارغة وممارسة لا تفضي إلى مفيد يدخل فيهم أيضاً، ومن يعتقد أن بإمكانه أن يغير في هذه البلاد عنوة يدخل فيهم كذلك، فهؤلاء يؤكدون بأفعالهم تلك أن قراءتهم للمشهد خاطئة وأنهم يفعلون ما يفعلون انطلاقاً من العواطف ونتيجة الشحن الذي يقوم به من اختار الخارج موئلاً آمنا له ولعياله.

ليست هذه دعوة للخنوع وعدم المطالبة بالحقوق، فالمطالبة بالحقوق حق يؤكده الدستور، وهو حق لا تنكره الدولة ولا تضيق به لو أنه اتخذ الطريق القويم ولم يتسبب في أذى الناس والحياة، أما الإصلاح فغاية يسعى الجميع إليها، ولولا قناعة الحكم به لما كان هناك المشروع الإصلاحي لجلالة الملك ولما كان كل هذا التطوير والتنمية التي يشهد بهما الداني والقاصي.

لا أحد في هذه البلاد ضد الإصلاح، ولا أحد ضد المطالبة بالحقوق، لكن كل ذي عقل ومنطق ضد سلك الطريق الخاطئ الذي اختاره البعض واغتر بالتصفيق الذي يحصل عليه من أناس آمنين على حياتهم يعيشون بعيداً عنهم ولا يقومون بعمل غير التحريض الذي لا ينالهم نتاجه وعواقبه ولا يذوقه إلا من صار سهلاً إطلاق تلك الصفة عليه.

المطالبة بالإصلاح أمر طيب وهو واقع، والمطالبة بالحقوق أمر يؤكده الدستور ولا تنكره الحكومة ولا تضيق به، والسعي للتطوير والتنمية همّ حكومي مثلما هو همّ شعبي، فالحكومة أيضاً تسعى إلى تطوير حياة الناس وتوفير أسباب العيش الكريم والرفاهية لهم.