الثورة المعلوماتية، والتطور التكنولوجي والتقني الهائل، فرضا على الجميع اليوم وجوب التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، بحيث بات من لا يستخدمها وكأنه متراجع بعقود خلف الركب. متغيرات الزمن تفرض عليك مثل هذه الأمور، ولا يعني التعاطي معها ومحاولة «التأقلم» واستخدامها أمراً سلبياً، بل حالها حال أي متغير جديد يطرأ على حياتنا، له جوانب إيجابية عديدة، في المقابل له سلبيات أيضاً.

من يحدد «معيار» السلب والإيجاب هو «العنصر البشري» نفسه، ومن خلال أسلوب الاستخدام، إذ أنت بطريقتك يمكن أن تبرز هذه الأداة على أنها مفيدة وفاعلة، تخدم المجتمع والبشر وتخدمك شخصياً، والعكس صحيح يمكن أن تبرزها كأداة تسيء للمجتمع وللأفراد ولك شخصياً.

المجتمعات الغربية بدأت تدرس الظواهر السلبية التي بدأت تطفو على السطح في شأن استخدامات التواصل الاجتماعي، وحينما نسمع اليوم عن مصطلح مثل «التنمر الإلكتروني»، نجد أن هذه الأنماط من الاستخدامات تمت دراستها منذ فترة ووضع قوانين رادعة لها.

لمن يستخدم تطبيق التدوين المصغر «تويتر» قد يدرك بأنه بين الفترة والأخرى تصله رسائل من إدارة «تويتر» تعلمه بتحديث تم إجراءه على القوانين والاشتراطات التي يفترض أن يدركها مستخدم هذا التطبيق، والمحاذير التي لا يجب أن يقع فيها، والضوابط التي يجب أن يلتزم بها.

قبل أيام كانت هناك رسالة بأحدث ما تم تضمينه في اشتراطات استخدام هذا التطبيق وضوابطه، هناك بات تشديد أكبر على ممارسي «التنمر الإلكتروني»، ومن يدعون للعنف ويروجون للإرهاب، ومن يحاولون الإساءة للأشخاص عبر استهدافهم ومهاجمتهم وتشويه صورتهم، بحيث كمستخدم لك اليوم صلاحية أكبر في التبليغ عن هؤلاء بما يجعل إدارة التطبيقات تقوم بحظرهم.

هناك يومياً عشرات الحسابات التي يتم حظرها، هناك نماذج لحسابات موثقة يتم سحب التوثيق منها، ومسببات ذلك هو تعدي الضوابط، واستخدام الفضاء الإلكتروني لمهاجمة الأشخاص والتنمر ونشر معلومات خاصة بهدف الإساءة.

هذا الحديث يعيدني لفكرة طرحتها سابقاً، معنية بضرورة قيام هذه التطبيقات بوضع ضوابط أكثر صرامة للاستخدام، بحيث يمنع إنشاء أي حساب دون تعريف كامل للشخص، ومعلوماته، ولا يقبل بأن ينشأ إلا بصورة حقيقية ومعلومات متكاملة، ما يعني التصدي لظاهرة إنشاء الحسابات الوهمية، والتي يطلق عليها البعض «جيوشا إلكترونية» تستخدم في شن حملات وتستهدف أفراداً وكيانات.

لكن عودة للحديث الأول، اليوم أنت من يحدد كيف تمضي «الصورة النمطية» لوسائل التواصل الاجتماعي، إذ حينما ينأى الفرد عن ممارسة السلوكيات الخاطئة في هذه الوسائل، ولا يعمد لاستهداف البشر، واستخدام هذا الفضاء لتشويه صورة الناس والدخول في خصوصياتهم والخوض في أعراضهم، أو يستخدمها للدعوة للكراهية والعنف والإرهاب، ويبدل ذلك باستخدامات نشر المعرفة وبناء العلاقات الإيجابية، ولغرض الإطلاع والتثقف، حينها ينصلح مسار استخدام هذه الوسائل التي وجدت لتسهل حياة الناس، ولتمنحهم مساحة كبيرة من الحرية المسؤولة.

اليوم للأسف هذه المنصات باتت تستخدم من نوعيات معينة من البشر، على أنها «منصات استهداف» لبشر آخرين. البعض فيها ينسى أن هناك قوانين وضوابط تنظم حياة البشر، فلا يعقل أن تتحول وسائل التواصل الاجتماعي لمحاكم اجتماعية ينشر فيها ما ينشر بلا إثباتات أو أدلة، ولا يعقل أن تقوم مجموعات وهمية باستهداف أشخاص والطعن فيهم، فقط لأنهم ليسوا من نفس الفصيل، أو لأن لديهم أفكاراً ومواقف ورؤى مغايرة.

قليل هي النقاشات التي ألحظها بين مستخدمي هذه الوسائل تكشف لك عن أساليب راقية محترمة حتى في الاختلاف، إذ للأسف الطابع الأغلب هو أسلوب الشتم والتطاول والطعن والتحقير وتشويه السمعة.

الحديث يطول في هذا الجانب، لكن بيت القصيد أننا اليوم نمضي لنتعايش مع «مجتمع فوضى» في الفضاء الإلكتروني، قليلون ملتزمون بالفضائل والأخلاقيات ويحرصون عليها، لكنهم مهما سعوا وحاولوا توعية الآخرين، إلا أن الانفلات أكبر، والشعور بأن تطبيقات مثل «تويتر» و»إنستغرام» وغيرها تحولت لمثل «الرشاشات» التي يمكن استخدامها مجاناً وبحرية وتستهدف أياً كان، هذا الانفلات يستلزم تدخل الجهات الرسمية لوضع ضوابط أكثر تشدداً من خصوصيات البشر، ولسن عقوبات رادعة لمن بات يمارس «البلطجة الإلكترونية».