غالباً ما يعتمد اقتصاد الدول على ما تكنه أراضيها من ثروات، وتلك الثروات كثيراً ما تنضب أما الثروة الحقيقية التي لا تنضب هي عقول أبنائها وإبداعاتهم فبإبداعاتهم وإنتاجهم تقام الصناعات والمشاريع الاستثمارية التي تنهض بالاقتصاد، فمن الحكمة أن تركز الدول على تشجيع مواهب أبنائها وتنمية إبداعاتهم وتحويلها لمشاريع استثمارية تعود على البلاد بالخير. فالموهبون والمبدعون هم ثروة وطنية كبيرة تتفاخر بها الأمم.

إن الموهوبين والمبدعين ثروة يجب أن تستثمر إذ إن القوى البشرية الموهوبة المؤهلة تربوياً وأكاديمياً هي أساس النهضة والتميز في عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية لأي دولة وقادرين على أن يكون لها مكان في التمثيل الدولي، فاستثمار طاقة الموهبين ضرورة حضارية، خاصة في مواجهة تحديات التنافس الاقتصادي فالاستثمار الحقيقي يكون في الموهوبين.

تعيش البحرين هذه الأيام عرساً من نوع خاص، احتفالات وضيوف وملتقيات، أجواء مميزة تمر بها البحرين إنها أجواء الاحتفال باليوم الخليجي للموهبة والإبداع، و يا له من احتفال يحتفي بالعقول المبدعة، وبالإنجازات المتميزة التي تسهم في التنمية، أسبوعاً كاملاً وجد الموهوبون والمبدعون والمبتكرون فيه ضالتهم، وكان فرصة لتبادل الخبرات والتعرف على تجارب من مختلف الدول، وسلطت الأضواء فيه على المبدعين والعقول البحرينية المبدعة، وإتاحة الفرصة للاستثمارفي هذا المجال. ولعلنا نذكر في هذا المقام برامج ومشاريع «ستارت أب بحرين» وهي مبادرة تجمع بين رجال الأعمال والشركات والمستثمرين والحاضنات والمؤسسات التعليمية وحكومة البحرين بهدف تعزيز الشركات الناشئة في البحرين. وقد أقيمت خلال هذا الأسبوع أكثر من خمسين محاضرة وأكثر من ستة برامج، وتعج البحرين بالعديد من الفعاليات والبرامج والملتقيات. التي كانت أمنية يتطلع لها الشباب المبتكرون. جاء ذلك العرس ليتوج اهتماماً كبيراً من مجلس التنمية الاقتصادية على مدى سنوات دعم فيه الشباب المبتكرون لتحويل ابتكاراتهم لمشاريع استثمارية تسهم في الاقتصاد البحريني.

ومن الجميل أن نرى البحرين تتخذ العديد من التدابير، وتتبع نهجاً استراتيجياً للاستثمار في تنمية العقل البشري، والاهتمام بالمواهب وتنميتها في شتى المجالات، ونفخر بالجهود المبذولة على مدى سنوات لإعداد كوادر متخصصة تنشط في مجال تنمية الابتكار والإبداع على أسس علمية صحيحة في شتى المجالات سواء في الوسط الطلابي أو في الوسط الشبابي وتضع البرامج والمشاريع المتنوعة لرعاية الموهوبين وإبراز نتاج تلك المواهب والاستفادة من هذا الإنتاج وتحويله لمشارع استثمارية من خلال سلسلة من التدابير نتوقع أن تؤتي أكلها، وفعلاً برزت العديد من المواهب البحرينية الشابة والذي جاء ليؤكد على عراقة البحرين، وأن ينابيع البحرين تتفجر خيراً بشبابها المبدع.

ولعل من المساحات المضيئة في تجربة البحرين في استثمار الإبداع تمثلت في تدريب المبدعين على كيفية تحويل منتجاتهم الإبداعية إلى مشاريع استثمارية، وتقديم الدعم الفني لإدارة المشاريع الاستثمارية المتمثل في التدريب وتقديم الاستشارات، والمتابعة الفنية سواء في مجال الإدارة المالية أو التسويق أو الجوانب المحاسبية وغيرها من متطلبات نجاح أي مشروع استثماري صغير، فلا تتحول الاختراعات إلى مكنونات أدراج بل تتحول لمشاريع استثمارية، وكم من دول تطور اقتصادها معتمدة على إنتاج المخترعين.

ومن أبرز هذه التجارب تجربة المخترعة البحرينية آلاء محمد عبد الرحيم وهي من الرائدات البحرينيات في مجال الاختراع، فقد دخلت العديد من المنافسات الدولية باختراعات متنوعة وتمكنت من رفع علم البحرين في عدة محافل علمية وحصدت جوائز عالمية وقد تمكنت من تأسيس أول شركة اختراعات بحرينية برأس مال بحريني 100% في منطقة الحد الصناعية بإحدى الحاضنات التي توفرها الدولة للمشاريع الناشئة، وتستقبل الشركة جميع البحرينيين الذين لديهم أفكار وتتبناها الشركة لتحولها على أرض الواقع ليكون منتجاً بحرينياً لمخترعين بحرينيين. إن قصة النجاح هذه كانت بداية لمشوار تحدٍ جديد شقته هذه المبدعة لرفع راية البحرين، وكلنا أمل أن تواصل هذا التحدي ويستمر هذا الدعم لاستكمال قصة النجاح. هي تجربة فريدة تستحق الوقوف عندها والاستفادة منها فهي ثمار لسياسة حكيمة ومناخ صحي يساعد على تحويل الأفكار والابتكارات لمشاريع استثمارية. ورسالة مني إلى كل مبدع إن الحياة العملية تحتاج إلى المثابرة والجهد فإبداعك وعملك هو مستقبلك المتميز وماضيك الذي ستفخر به في يوم من الأيام بين أبنائك فالمبدع لا يجب أن يقتصر عمله على العمل المكتبي الروتيني بل يجب أن يتمسك بحلمه الفريد المتميز وبابتكاره وإنجازاته ويجب أن تتحلى بالإصرار والعزيمة لتصل لهدفك المنشود ودمتم أبناء وطني مبدعين.