المنطق يقول إن وجهات النظر والمواقف تتغير حينما يكون أحد الطرفين والذي يمتلك صورة مغلوطة لأن معلوماته قائمة على مصادر غير حيادية «تستغله» عبر تمرير ما تريده وتحجب عنه الجانب الآخر من الحقيقة، حينما يكون قابلاً للتعاطي مع الحقيقة من الطرف الآخر، والتسليم بوقوعه في مغالطات، وبالتالي يقوم بتقويم موقفه وتصويبه.

لكن المستغرب أنه حتى مع تصحيح الصورة، والتزويد بالمعلومات، والرد على الملاحظات، وبيان غلط المعلومات المسلم بها من قبل هذا الطرف.. يكون هناك «إصرار» على الموقف من جانبه، هنا «حسن النية» ينتفي، ويبدأ الشك في الطرف المتعنت المصر على موقفه، والتساؤل لماذا لا يتغير هذا الموقف، ويصحح الصورة غير الحقيقية؟! أهنالك أجندة معينة؟! أهنالك استهداف ممنهج؟! أم هنالك تبنٍّ لمواقف هذه الجهات التي تزوده بالمعلومات المغلوطة والكاذبة؟!

للأسف هذا هو حال البحرين مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، هذه الجهة التي نحترمها، وكان تطلعنا لأن يزيد احترامنا لها لانتهاجها الأسلوب الوسطي والعقلاني والحيادي المعتدل، وأن تقوم بإنصاف حقوق الإنسان في البحرين وتحديداً من يعانون من استهداف الإرهابيين لهم، من رجال أمن، ومن مواطنين ومقيمين يتم إقلاق حياتهم والتضييق عليهم في مناطقهم، إذ هؤلاء بشر، والأهم أنهم مسالمون، وهم أفراد ملتزمون بالقانون، ويقومون بواجباتهم المدنية بالتالي من حقهم التحصل على حقوقهم التي تلزم الدولة.

لكن المشكلة أن هذا لا يحصل، ومع «طول بال» البحرين كنظام وعبر الأجهزة المعنية التي تصر على التعاطي «إيجابا» مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والرد على كافة استفساراتها وتزويدها بكافة المعلومات والبيانات، وفتح الأبواب لها لزيارة البحرين والاطلاع عن كثب وبعيون مجردة عما يحصل، إلا أن الجانب الآخر مازال يتعامل مع البحرين في تقاريره وكأنها هي الجهة «الإرهابية»، في حين يغلب كلام «الإرهابيين الحقيقيين» ومن يهددون أمننا القومي، ومن علاقتهم مفضوحة ومكشوفة ومرتبطة بالنظام الإيراني وأطماعه في بلادنا!

هذه معادلة معوقة جداً، إذ كل عام وفي تقرير المفوضية هناك «إجحاف» و«استهداف» بحق البحرين، ونحن كمواطنين نعاني من الإرهاب الذي يستهدف بلادنا، عانينا من محاولة انقلاب صريحة مدعومة من قبل نظام أجنبي معاد، وسقط في صفوف رجال الأمن شهداء، وتعرض مدنيون للاعتداء وصولاً لدرجة القتل، ولتسأل مفوضية حقوق الإنسان المواطن «خالد السردي» الذي كاد يقتل في جامعة البحرين حينما تم اقتحام الحرم الجامعي واستهداف من فيه.

لا يعقل أن يستمر هذا التعاطي المجحف، وكثيرة هي الدعوات التي وجهت للمفوضية والمفوض السامي بزيارة البحرين والإطلاع على الحقيقة، لكن حتى هذه لم يكن فيها تجاوب، وكأن الطرف المدعو لا يريد «إحراج» نفسه بالحضور للبحرين والجلوس مع المسؤولين والاطلاع على التفاصيل، وكيف يسير العمل في الأمانة العامة للتظلمات، وصندوق التعويضات، والمراكز الإصلاحية، وكيف يتم معاملة الموقوفين بشكل إنساني، وتهيئتهم وتدريبهم عبر مراكز التأهيل ليعودوا لينخرطوا في المجتمع.

بالتالي حينما تصل البحرين إلى مرحلة الاستياء الشديد من فرط هذا التجاهل غير المنطقي لبياناتها الرسمية ومعلوماتها الموثقة وأجوبتها الشفافة والواضحة، فإن المعادلة تنقلب هنا، إذ المتهم في موقفه هي المفوضية نفسها، إذ لماذا الإصرار على محاربة الأنظمة السياسية حتى وإن كانت ملتزمة بكل معايير حقوق الإنسان، وتعمل، وتضع قوانين لحماية الحريات، والتمسك في المقابل بكل ما يقول ويزوده لهم مجرمون مطلوبون للعدالة، أو متجولون في أنحاء أوروبا يصفون أنفسهم باللاجئين والهاربين بينما جيوبهم عامرة بالأموال الإيرانية، وسفراتهم ممولة من نظام يعادي البحرين؟!

للأسف وصلنا فعلاً إلى مرحلة باتت المفوضية فيها تتعامل بالمقلوب، فتقف صراحة في صف الإرهابيين والمحرضين وكأنها تدعمهم في مساعيهم لتنفيذ انقلاب في أوطانهم وتقويض الأمن فيها عبر الإرهاب

فقط لتجبنا المفوضية، لماذا هذا الاستهداف الواضح والفاضح بحق بلادنا؟! هل أنتم بالفعل مع حقوق الإنسان، أم أنتم مع من ينتهكون حقوق الإنسان إن لم يكن تابعاً لنظام الملالي وإن لم يكن ضمن زمرة عملائه؟!