رغم أن أوسلو كانت أملاً للكثيرين، لكنها تركت موضوع البت في ملف القدس إلى مراحل الحل النهائي، حيث سرعان ما تبين أن استراتيجية إقصاء القدس من هذه الاتفاقية كانت دبلوماسيةً أمريكية - إسرائيليةً تسعى إلى ترسيخ الاحتلال للقدس الشرقية. ترتب على إقصاء القدس الشرقية من اتفاقيات أوسلو نتائج وخيمة على المدينة ومستقبلها. حيث إن أوسلو فصلت القدس بشكل غير مُعلن عن محيطها الفلسطيني الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. في أثناء إجراء مقابلات عديدة في السنوات الأخيرة في القدس مع السلك الدبلوماسي الفلسطيني والإسرائيلي والمحلي، تبين أن أوسلو فصلت القدس عن حيزها الفلسطيني الطبيعي. فقد جاء في حديثٍ لنا مع السيدة هند خوري، وزيرة القدس السابقة حين قالت إن «أوسلو كانت بمثابة تقطيع أواصل الشعب الفلسطيني وإضعافه. أوسلو رسخت فصل القدس عن بيت لحم وعن الضفة الغربية وأضعفت التواصل الاجتماعي لأهل القدس مع سائر المجتمع الفلسطيني».

ازداد الأمر تعقيداً في القدس بعد بناء جدار الفصل العنصري. تدل نتائج البحث الذي أجريته في السنوات الأخيرة على أن بناء الجدار العنصري فصلَ بشكلٍ فعلي الكثير من أحياء المدينة العربية عن مركزها التجاري والحياتي اليومي مما يجعل المدينة مقسمة بشكل غير مُعلن. فقد رسخ جدار الفصل العنصري البعد الاجتماعي والاقتصادي في القدس وأبعدها جغرافياً عن محيطها الفلسطيني الطبيعي. لقد حول جدار الفصل العنصري أحياء القدس الشرقية إلى أجزاء عديدة منفصلة عن قلب مدينة القدس، حيث الحواجز والصعوبات العديدة التي تعيقُ حرية الحركة والوصول إلى المدينة. جدار الفصل العنصري كان له تأثير على العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في القدس، حين فُصلت عائلات كاملة عن محيطها المقدسي الطبيعي.

يبدو أن محاولات تفريغ القدس من سكانها الفلسطينيين كانت بطرقٍ كولونيالية أخرى حيث تشير معطيات وزارة الداخلية الإسرائيلية أنه تم سحب إقامات 14200 مقدسي حتى عام 2013. هذا بالإضافة إلى ما ذكرته الخبيرة في شؤون القدس، بروفيسورة نادرة شلهوب كوفيركيان من ازدياد ظاهرة الأطفال غير المسجلين في القدس والتي وصلت إلى الآلاف كظاهرة جديدة من أشكال تفريغ القدس من سكانها. أما عمليات التهجير الممنهجة والصامتة فقد استمرت في القدس بواسطة عدم منح تراخيص البناء، حيث تشير الإحصائيات إلى أنه فقط 9% من إجمالي تصاريح البناء التي منحت في المدينة في السنوات الأخيرة كانت من نصيب المقدسيين، أما غالبية التصاريح فقد منحت في بيت حنينا وليس في أنحاء استراتيجية أخرى من المدينة. هذا بالإضافة إلى دفع مبالغ طائلة للحصول على رخص البناء، حيث وصلت كلفة رخصة البناء إلى مبالغ بلغت 30 ألف دولار. هذه العوائق الخيالية التي تفرض على المقدسيين من أجل الحصول على رخص بناء اضطرتهم في بعض الأحيان إلى البناء غير المرخص أو الهجرة إلى الأحياء المقدسية المهمشة.

وللحديث بقية..