تعودنا أن الموظفين ونقاباتهم وجمعياتهم المهنية يطالبون الحكومات بزيادة رواتبهم بين فترة وأخرى، وقد تتعدى المطالبة الخطية إلى إضرابات عن العمل، لكن أن يرفض موظفون زيادة رواتبهم فهذه خطوة غريبة لم نسمع بمثلها من قبل.

كيبيك تلك المقاطعة الكندية المعروفة شهدت قبل أيام احتجاج أكثر من 700 طبيب على قرار رفع رواتبهم، بعدما توصل اتحاد كيبيك للأخصائيين الطبيين إلى اتفاق مع الحكومة يقضي بزيادة رواتب 10000 طبيب بنسبة 1.4%، قائلين إن رواتبهم عالية جداً ولا تحتاج إلى زيادة، ولأجل ذلك وقعوا عريضة احتجاج على الإنترنت يطالبون فيها الحكومة بإلغاء هذه الزيادة، وقد ذكروا في العريضة أنهم يرفضون هذه الزيادة التي تفاوض عليها اتحادهم، قائلين إن ضميرهم لا يقبل أن تزيد أجورهم في حين رواتب طاقم التمريض بقيت على حالها من غير زيادة، وأن المرضى يعانون من ضعف الخدمات المقدمة لهم، وقالوا إن الشيء الوحيد الذي يبدو محصناً في نظام الرعاية الصحية هو رواتبنا، ولذلك نطالب بإلغاء هذه الزيادة.

مع أن الفعل قد يبدو غريباً لأكثرنا في زمن تغير فيه الأطباء كثيراً، لكن لو دققنا قليلاً بكلامهم لوجدنا كلمة عابرة ضمن كلامهم، وهي قولهم ضميرنا لا يقبل هذه الزيادة، لا يقبل لأن الخدمات التي تقدم للمرضى قليلة بنظرهم فلم هذه الزيادة؟ لا يقبل لأن طاقم الممرضين الذي يعمل معهم لم يحظَ بأي زيادة، فلم هذه الزيادة؟ والسؤال هنا إذا كان ضمير الطبيب ركناً مهماً في عمله ويجب عليه أن يحرص على إبقائه حياً، فأين ذهبت ضمائر كثير من أطبائنا اليوم لا سيما في العالم العربي، وهنا لا أعمم فهناك نماذج من الأطباء يتمتعون بضمائر وحس إنساني كبير جداً، لكن كأن السمة الغالبة على الأطباء في العالم العربي أصبحت في الجانب الآخر، فأين ذهبت ضمائر الأطباء وهم ينظرون إلى المريض على أنه كومة من النقود يجب سحب أكبر قدر منها، فيرسل المريض إلى عيادات الأشعة وربما هو ليس بحاجة لها، ومختبرات التحليل وقد لا يتطلب الأمر ذلك، ويصف له ستة أو سبعة أنواع من الأدوية لا يحتاج المريض إلا إلى واحد أو اثنين منها، وربما حوله إلى طبيب آخر، كل ذلك لأن مستورد الأدوية عقد اتفاقاً مع كثير من الأطباء يضمن لهم دعوات مدفوعة للمشاركة في مؤتمرات عالمية وتذاكر لرحلات سياحية ترفيهية، وبعد كل ذلك يصدر الطبيب وصفة مكتوبة بالخط الهيروغليفي أو المسماري لا يتمكن من قراءتها إلا صيدلي واحد وربما لا يتمكن فيتصل على الطبيب ليبلغه بها هاتفياً، لا لشيء إلا ليضمن الطبيب نسبته من الصيدلي وفي كثير من الأحيان يكون الطبيب مالكاً للصيدلية أو شريكاً فيها، حتى أصبح الإنسان يدعو الله صباح مساء ألا يصاب بمرض فيقع بين اثنين ألم المرض وهذا الموقف مع الطبيب الذي تحول إلى تاجر لا يعمل بأخلاق التجار، ليس هذا كلاماً من وحي الخيال فهذا هو المعتاد في كثير من الدول العربية ولا تخلو دولة منها من صورة من هذه الصور لكن بدرجات.

رسالة أخيرة..

دخل الإسلام إلى شرق آسيا بسلوك التجار المسلمين، وقد يخرج من بلادنا بسلوك كثير من أصحاب المهن.