«لا يستخدم الأمريكان الطرق الصحيحة لحل الأزمات الدولية إلا بعد أن يستنفدوا جميع الطرق ‏الخاطئة»، جملة قالها تشرشل قبل عقود ولم تفقد بريقها. ففي أروقة القرار الأمريكي تم إقناع الرئيس ترامب بضرورة التدخل في الأزمة الخليجية، وأعلنوا عن رغبة واشنطن في استضافة قمة خليجية في ‏منتجع كامب ديفيد. لقد دعت واشنطن للقمة دون أن تتواصل مع الدول الخليجية تواصلاً جاداً، ثم أرسلت الجنرال ‏متقاعد «أنتوني زيني»، و»تيم ليندركينج»‏. ولم نكن بحاجة إلى تفحص مؤهلات الرجلين لنشعر بضعف الأمل ‏من جهودهما. فالتسوية المطلوبة تحتاج إلى قرار حازم يقابله رغبة من طرفي الأزمة الخليجية لقبول ‏التسوية الأمريكية، وكلا الأمرين مفقود، وقد دفعنا لذلك مؤشرات عدة منها:‏

‏- ليس من شيم رجال واشنطن طرح مقترحات واضحة لحل المعضلات التي يكلفون بالانخراط فيها، فقد شاهدناهم ‏في لجان عسكرية من البنتاغون وهم يفرغون على رؤوسنا تلالاً من الأسئلة الجادة والسخيفة ‏بذريعة استيضاح الوضع، مما يجعلنا مكلفين كل جولة بإعادة اختراع العجلة.‏

‏- يعاني أغلب المبعوثين من قلة التأهيل بدرجة تثير الشك في جديتهم، وقد أصل ترامب هذا النهج في ‏إدارته. أليس بصدد تغيير مستشاره للأمن القومي ماكماستر «McMaster « بطل حرب تحرير الكويت ‏الذي حطم فرقة «توكلنا على الله» العراقية في معركة وادي الباطن في 27 فبراير 1991 لينصب بدلاً منه بائع ‏سيارات في فورد اسمه ستيفن بيقوين «‏Stephen Biegun‏»!‏

‏- تعاني مقاربة ترامب للأزمة الخليجية من غياب رؤية واضحة، حيث لم يصارح الفرقاء برؤيته للأزمة، ولم يتحدث عن المقاربة التي يعرضها للتوصل لحل من باب تهدئة النفوس كخطوة أولى، بل ذهب لأسلوب جاكم الذيب «Cry Wolf‏»‏ حيث صرح المبعوث تيم ليندركينج، وهو أكبر مسؤول بوزارة ‏الخارجية متخصص بالشأن الخليجي، أن الخلاف لا يصب إلا في مصلحة إيران ويؤثر في تعاون واشنطن ‏مع الخليجيين لدرء التهديد عنهم.‏

‏- ثم عاد ترامب ليعلن عدم استعداده لعقد قمة كامب ديفيد إلا إذا حققت الدول المعنية تقدّماً لحل هذه ‏الأزمة، ولا نعلم جدوى القمة إلا إذا حلوها بأنفسهم.‏

‏ * بالعجمي الفصيح:‏

مازالت العلاقات الخليجية قابلة للترميم، والمساعي الحميدة الكويتية في الأزمة هي للفرار من عولمة الخلاف. فالوساطة الأمريكية في الأزمة الخليجية جهود ‏‏»ترامبيه» بما تحمله الكلمة السابقة من معاني الارتجال والتخبط والغموض، فجهود الرئيس الأمريكي هي ‏لجمع رصيد له في العلاقات الدولية تحت شعار «جمع الفرقاء»، متناسياً أن الشيخ صباح قد سبقه بإشاعة ‏ثقافة «مجالسة الخصوم»، فقد جمع وزراء خارجية أطراف الأزمة، ثم الرياضيين بكأس الخليج، وتلاهم ‏بالبرلمانيين، ثم المثقفين في مهرجان القرين، بل والاقتصاديين في مؤتمر إعادة إعمار العراق، والوقت ثلثا حل الأزمة. فليذهب ترامب ‏ليصنع مجده بالاجتماع المستحيل مع زعيم كوريا الشمالية، وليبقى الدور الأمريكي دوراً مساعداً للحل ‏الخليجي من الكويت.‏