هل يتخيل أحدكم أن يرى أحد كبار مسؤولي وزارة الصحة ممددين على أسرة قسم الطوارئ الضيقة والمرهقة، لا ليوم أو يومين أو حتى ثلاثة أو أربعة أيام؟ إذا كان الجواب بالطبع لا.. فلماذا إذاً قد بات من الطبيعي جداً أن نرى عشرات المواطنين يجرّون أناتهم وأوجاعهم على تلك الأسرة لأيام وأيام، حتى يتم التكرم عليهم بسرير في أحد الأجنحة، أو حتى لكي تتم معاينتهم من قبل الطبيب الاستشاري المختص بحالاتهم.

ألم يصر صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء حفظه الله مرة تلو أخرى على أن الوزراء ما عينوا إلا لخدمة المواطنين؟ كم من وزير قد توالى على هذه الوزارة العتية على الإصلاح خلال السنوات العشر الماضية؟ سبعة.. ثمانية.. أو حتى عشرة وزراء؟ هل عجز كل هؤلاء عن إيجاد حل لمشكلة شحّ الأسرة في مجمع السلمانية الطبي الذي يخدم مئات الآلاف من المواطنين والمقيمين.

لماذا تقدم للمواطن خدمة مذلة وهو العزيز الأبي عند قيادته؟ ثم لماذا تصرّ الوزارة على عدم صون كرامته عند تقديم خدماتها إليه؟

هذا الكلام لا أقوله هنا اعتباطاً أو تجنياً بل أقوله شفقة على العديد من الآباء والأمهات والإخوة والأخوات، الذين تعرضوا ويتعرضون لـ«المرمطة» حتى تصرف لهم أدوية أمراض مزمنة ليست متوافرة.

وأقوله شفقة على عشرات المرضى الذين رُكنوا على قوائم الانتظار على أسرة ضيقة متهالكة «تكسر العافية» لأيام لتزداد أوجاعهم على ما هي عليه وهم الذين ما جاؤوا لملائكة الرحمة إلا أملاً في تخفيفها. وأقوله حسرة على تردي أوضاع أحد أهم القطاعات الخدمية في البلاد واللصيق بحياة كل المواطنين والمقيمين على هذه الأرض.

إن الحديث عن المشكلات المتراكمة في مجمع السلمانية الطبي لم يعد جديداً أو سراً حتى، ولعل على رأس تلك المشكلات أزمة شحّ الأسرّة في هذا المجمع الطبي، ففي حين يستقبل قسم الحوادث والطوارئ من 1000 إلى 1200 مريض إلا أن عدد الأسرّة بالمجمع لا يتجاوز في أحسن التقديرات 1000 سرير تتوزع على نحو 50 جناحاً.

وبناءً على ذلك فإنه من البديهي ألا يوجد أسرة كافية وأن تمتد قوائم الانتظار في الطوارئ إلى أكثر من 80 حالة أحياناً، ممن يضطرون للبقاء في قسم الطوارئ لأيام لحين نقلهم للجناح المختص بحالاتهم.

في ليلة الثامن من مارس الجاري شهدت أغرب حادثة قد تمر علي في حياتي، عندما عمد أحد الآسيويين إلى إثارة فوضى عارمة في وسط جناح الطوارئ «أ» حيث كان يرقد عدد لا بأس به من المنتظرين للانتقال إلى الأجنحة. فقد فوجئ المرضى بهذا الرجل يرعد ويزبد وينزع إبر المغذي من يديه لتتناثر دماؤه في أرجاء المكان،.

الغريب أن رجال أمن المستشفى لم يتمكنوا من السيطرة على الموقف أو تهدئة ذلك الآسيوي الذي كان يطبب وسط مجموعة من المرضى وتفصل بينه وبين إحدى المريضات ستارة فقط.

وقد ظل على تلك الحالة معظم ساعات الليل حيث لم يتمكن المرضى خلالها من الخلود إلى النوم أو الراحة.

وهذا ليس إلا نزراً يسيراً مما يحدث في قسم الطوارئ..!

إن مثل هذا الموضوع لا يجب السكوت عنه، والكرة نلقيها من هذا المنبر في ملعب النواب ونطالبهم -في ما تبقى إليهم من وقت- أن يتبنوا هذا الملف ويضغطوا من أجل إيجاد حل سريع له.

ولعل أحد الحلول المهمة لهذه المعضلة يكمن في ضرورة «نفض الغبار» عن الأجنحة المغلقة بحجة عدم توافر الميزانية، ومن بينها الجناح رقم «205» الذي كان مخصصاً للعناية المركزة وعلى الرغم من افتتاح قسم جديد للعناية منذ نحو 5 سنوات إلا أن هذا الجناح لايزال مغلقاً ولم يستغل حتى اللحظة.

أضف إلى ذلك، ضرورة تواجد الأطباء الاستشاريين في قسم الطوارئ، لمعاينة المرضى في الحال والسماح بمغادرة أولئك الذين لا يحتاجون إلى تنويم، بما يخفف من قوائم الانتظار من جهة ويقلل الضغط على قسم الطوارئ من جهة ثانية فضلاً عن تخفيف العبء على مواقف السيارات التي تمتلئ عن آخرها في كثير من الأحيان.

إذ لا يخفى على أحد أن قسم الطوارئ مخصص لتقديم الرعاية الطبية العاجلة وليس لإقامة المرضى لأيام، حيث تتسبب زيارات أهل وأصدقاء المرضى في إعاقة حركة الأطباء والممرضين وإزعاج المرضى فضلاً عن تسبب الأطعمة التي تجلب للمرضى في توفير بيئة لتكاثر البكتيريا على الأسرة وفي القسم عموماً.

هذا الموضوع يثير الكثير من الشجون والغصّات وتترتب عليه العديد من النتائج والتبعات، والحلول كثيرة لكنها تحتاج إلى إرادة جادة وحقيقية للحل والتطوير.

* سانحة:

«حتى أضخـم الأبواب مفاتيحها صغيـرة»، «تشارلز ديكنز».