* محلل سياسي لـ "الوطن": قضية الجاسوس الروسي كشفت ناراً تحت الرماد بين موسكو ولندن

لندن - كميل البوشوكة، وكالات

أكدت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا الخميس دعمها لبريطانيا معلنة مسؤولية روسيا في تسميم الجاسوس الروسي السابق في إنجلترا في موقف يدل على جبهة غربية موحدة ضد روسيا التي تستعد للرد على العقوبات البريطانية، فيما قال الباحث في الشؤون الروسية والعلاقات الدولية في تصريح لـ "الوطن" أن "حادثة التسميم تشير إلى عودة الحرب الباردة"، مضيفا أن "دول الغرب تستغل الحادثة من أجل تشديد الضغوط على روسيا في وقت تسعى فيه الأخيرة إلى زيادة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط"، مشيرا إلى أن "هناك مجموعة خلافات بين البلدين وقد كشفت حادثة تسميم الجاسوس الروسي نارا تحت الرماد في العلاقات بين البلدين".



وفي أول زيارة لها إلى سالزبري حيث تم تسميم العميل المزدوج السابق الروسي سيرغي سكريبال وابنته يوليا في 4 مارس وإدخالهما المستشفى حيث لا يزالان في حالة حرجة، أشادت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بـ "بوحدة" الحلفاء في مواجهة روسيا.

وقالت "لقد حصل الأمر في بريطانيا لكنه كان يمكن أن يحصل في أي مكان آخر، ونحن متحدون في مواجهته".

وفي بيان مشترك اعتبرت لندن وبرلين وواشنطن وباريس أن "مسؤولية روسيا هي التفسير الوحيد "المعقول" لتسميم الجاسوس السابق سكريبال وطالبت موسكو بتقديم كل المعلومات حول البرنامج الكيميائي نوفيتشوك، غاز الأعصاب الذي صنعه علماء سوفيات في الثمانينات".

وهذه الجبهة تفاقم من أجواء المواجهة السائدة منذ سنوات بين روسيا والغربيين، قبل أيام من الانتخابات الرئاسية الروسية الأحد وقبل 3 أشهر من كأس العالم لكرة القدم في روسيا.

وبعد أيام من الاتهامات المتبادلة، أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية الأربعاء عن سلسلة عقوبات ضد روسيا بينها طرد 23 دبلوماسيا روسياً وتجميد العلاقات الثنائية، معتبرة موسكو مسؤولة عن تسميم الجاسوس الروسي السابق على أراضيها.

وندد الكرملين الخميس بموقف لندن "غير المسؤول على الإطلاق". وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن إجراءات الرد "لن تتأخر بالطبع".

وقال بيسكوف إن "القرار سيتخذه الرئيس وليس هناك من شك بأنه سيختار الأفضل لمصالح روسيا". وأضاف "نحن بالطبع قلقون إزاء هذا الوضع" معتبرا أنه يحمل "كل مؤشرات الاستفزاز".

وتابع بيسكوف "إن الجانب الروسي ليس له أي علاقة بهذا الحادث الذي وقع في سالزبري".

من جهتها قالت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن "إجراءات الرد في هذه المرحلة قيد الإعداد وستتخذ قريبا" منددة "باتهامات سخيفة ضد روسيا وكل شعبها".

وترأس الرئيس بوتين الخميس اجتماعا لمجلس الأمن القومي لبحث الوضع المتعلق بهذه القضية.

وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو ستطرد دبلوماسيين بريطانيين لكن مضمون الرد الروسي سيرسل أولا إلى لندن قبل أن ينشر.

من جانب آخر اتهم الحكومة البريطانية باستخدام تسميم الجاسوس الروسي السابق "لتحويل الانتباه" عن المصاعب المرتبطة ببريسكت على الصعيد الداخلي كما في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.

كان لدى روسيا ما يصل إلى 59 دبلوماسيا معتمدين في بريطانيا. والدبلوماسيون الـ 23 الذين قررت لندن طردهم باعتبارهم "عملاء استخبارات غير معلنين" أمامهم "مهلة أسبوع" لمغادرة البلاد. وهي أكبر موجة طرد لدبلوماسيين روس من قبل بريطانيا منذ الحرب الباردة.

وأوضحت تيريزا ماي أن لندن لن ترسل أي ممثل أو دبلوماسي أو عضو من العائلة الملكية إلى كأس العالم لكرة القدم هذا الصيف في روسيا.

ولفت المحللون إلى أن العقوبات البريطانية ضد روسيا تبقى في هذه المرحلة معتدلة، لكن يمكن أن تتبعها إجراءات أخرى من جانب حلفاء لندن.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس إنه سيعلن "في الأيام المقبلة" الإجراءات التي ينوي اتخاذها في هذه القضية.

وتعرض سيرغي سكريبال "66 عاما" وابنته يوليا "33 عاما"، لتسميم بغاز الأعصاب تقول السلطات البريطانية إنه من صنع روسي في سالزبري في جنوب غرب إنجلترا. ولا يزالان في المستشفى "في حالة حرجة".

وحذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ الخميس من أن هذا الهجوم على أحد دول الحلف "خطير جدا" مضيفا أنه إذا كانت روسيا تسعى إلى المواجهة "فسنكون قادرين على الدفاع عن كل أعضائنا".

وأعلن وزير الدفاع البريطاني غافين وليامسون عن استثمار بقيمة 48 مليون جنيه إسترليني "54 مليون يورو" في مكافحة الأسلحة الكيميائية وتلقيح آلاف الجنود من الجمرة الخبيثة.

وتؤكد موسكو التي طلب منها تقديم تفسيرات حول هذه المسالة، أنها لن تتعاون في التحقيق إلا إذا حصلت على عينة من المادة المستخدمة التي عرفت عنها لندن على أنها الغاز "نوفيتشوك" الذي صنع مع انهيار الاتحاد السوفياتي السابق.

وحملت الصحف الروسية الخميس بعنف على رئيسة الوزراء البريطانية واتهمتها بـ "تسميم" العلاقات مع موسكو.

وتحدثت ماي أمام البرلمان الأربعاء عن "استخدام غير مشروع للقوة من جانب الدولة الروسية ضد المملكة المتحدة" منددة بالنهج الذي اعتمده الرئيس بوتين الذي لم يلتزم بالمهلة المحددة له لتقديم تفسيرات حول هذه القضية.

واتهم وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" الخميس روسيا بالمضي "بعيدا في الاتجاه الخاطئ" قائلا إن "بوتين ينظر حوله ويرى حلف شمال الأطلسي على حدود ما كان الاتحاد السوفياتي. ولهذا الأمر يسبب مشاكل".

من جانبها، ذكرت الصحف البريطانية أن نحو 14 حالة وفاة في بريطانيا والولايات المتحدة يعود تاريخها إلى عام 2006 ربما تكون مرتبطة بروسيا. وتشمل القضايا بعض المنتقدين البارزين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بما في ذلك بوريس بيريزوفسكي وألكسندر بيريبليتشني. وتشمل القائمة أيضا الجاسوس السابق ألكسندر ليتفينينكو الذي قتل بالشاي المشع في عام 2006، فيما يتجه مسؤولون بريطانيون إلى ربط القضية بتورط الحكومة الروسية.

من جهته، قال الباحث في الشؤون الروسية والعلاقات الدولية د. باسل الحاج جاسم في تصريح لـ "الوطن" "تعيد حادثة تسميم ضابط الاستخبارات الروسي السابق في بريطانيا حرب الجواسيس بين روسيا والغرب إلى الواجهة، وتحديدا بريطانيا، فالحادثة تذكرنا بحادثة أخرى وقعت قبل 11 عاما، راح ضحيتها ألكسندر ليتفينينكو، وكأننا عدنا بالزمن الى الوراء ونحن من جديد أمام حرب الجواسيس التي كانت منتشرة أثناء الحرب الباردة بين الشرق والغرب بقوة، وهذه المرة بين روسيا وبريطانيا".

وأضاف: "الحادثتان تشتركان في وجود الجانب الروسي، والمادة المستخدمة في الاعتداء وبالمقابل علينا ملاحظة أن دول الغرب تسعى إلى استغلال أي ظرف خلافي من أجل الضغط على روسيا، وبريطانيا هنا تحاول الضغط على روسيا بقضية ضابط الاستخبارات الروسي السابق وغير ذلك الكثير من المسائل، لذا يتضح أن هناك هجوماً للضغط على روسيا، وبالمقابل يمكن اعتبار الأزمة اليوم في العلاقات الروسية البريطانية تنم أيضا عن رغبة روسيا في فرض نفسها على الصعيد الدولي مرة أخرى، بعد الغياب الذي عانت منه في الفترة التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي".

وتابع أنه "يقف وراء الأزمة بين لندن وموسكو مجموعة من القضايا الخلافية أبرزها سوريا، ووجود من تعتبرهم موسكو مجرمين على الأراضي البريطانية وسبق أن مُنحوا حقّ اللجوء السياسي، بالإضافة لتراكم بعض القضايا الثنائية الأخرى، وجاء تسميم سكريبال ليكشف نارا تحت الرماد في العلاقات بين البلدين".