محاولات تفريغ القدس من سكانها كانت أيضاً بواسطة السياسات العنصرية لبلدية القدس التي لا تقدم أي خدمات للكثير من الأحياء التي تقع في حدودها الإدارية. حيث تسعى السياسات الإسرائيلية إلى فصل بعض الأحياء العربية عن القدس دون ضمها إلى إسرائيل أو الضفة الغربية مما يخلق واقع العيش دون خدمات وعلى هامش المجتمع الفلسطيني والإسرائيلي. فهناك أحياء مقدسية فلسطينية مفصولة بشكل كامل عن القدس بواسطة سياسات فصل عنصرية مثل كفر عقب، وشعفاط، ورأس خميس، ورأس شحادة وضاحية السلام «عناتا». ويسكن في هذه الأحياء اليوم ما يقارب 150 ألف فلسطيني مقدسي دون أي خدمات ملموسة من بلدية القدس وهم معرضون لفقدان حقوقهم القانونية والمقدسية.

سياسات التهجير الصامت ضمّت الجانب الاقتصادي في القدس حيث عزلت اتفاقية أوسلو القدس اقتصادياً عن الضفة الغربية وغزة. تاريخياً كانت القدس المركز الاقتصادي لفلسطين حيث إن اقتصادها قبل أوسلو شكل 15% من إجمالي الاقتصاد الفلسطيني أي ما يقارب 250 مليون دولار في عام 1990. أما في فترة ما بعد أوسلو فقد شهدت خسارة القدس لملايين الدولارات سنوياً كنتيجة مباشرة لبناء جدار الفصل العنصري وصعوبة الحصول على تصريحات للتجار الفلسطينيين لدخول المدينة. هذا بالإضافة للديون الطائلة التي يجب على التجار المقدسيين دفعها لبلدية القدس والتي أدت إلى إغلاق الكثير من المحلات التجارية. فعلى سبيل المثال انخفض عدد محلات الخزف الفلسطيني بشكل ملحوظ بسبب الضرائب الطائلة المفروضة على أصحابها. وبموجب تقارير مؤسسة المقدس لتنمية المجتمع في القدس، فإن ما يقارب من 5 آلاف محل تجاري في القدس أغلقت أبوابها منذ عام 1999. هذا الأمر أدى بشكل مباشر إلى نزوح الكثير من التجار المقدسيين إلى الضفة الغربية، وبيت لحم، وأريحا والخليل للاستثمار هناك بدلاً من القدس. ويبدو أيضاً أنه نتيجة للحواجز المختلفة وفصل الأحياء العربية عن المدينة بواسطة الجدار، فقد انخفضت أيضاً نسبة المتسوقين الفلسطينيين في المدينة. هذا بالإضافة إلى عدم تطوير مناطق صناعية عربية في القدس مثل وادي الجوز وغيرها، مما أرغم رجال أعمال في القدس إلى الاستثمار في مناطق صناعية محتلة في القدس مثل، ميشور أدوميم وعطاروت أو الاستثمار في بلدان فلسطينية أخرى. وللحديث بقية..

* محاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية