إنه من الأهمية بمكان تسليط الضوء على علاقة نمو القطاع الخاص بالتطور الديمقراطي. وفي هذا الإطار نؤكد أن تراجع سيطرة الدولة على الاقتصاد وإفساح المجال للمبادرات والمشروعات الخاصة من شأنه أن يقلص من دور الدولة على استتباع القطاع الخاص، ويؤدي ذلك إلى تدعيم مؤسسات المجتمع المدني وتنشيطها على النحو الذي يحقق نوعاً من التوازن بينها وبين مؤسسات الدولة. وهذا التوازن يمثل أحد الضمانات والمتطلبات الأساسية لترسيخ النظام الديمقراطي. ومع التسليم بصحة هذا القول على الصعيد النظري وعلى صعيد خبرات التطور السياسي للنظم الديمقراطية الليبرالية في الغرب، فإنه يتعين النظر إليه في ضوء خصوصيات الواقع السياسي والاقتصادي الراهن في البحرين فالجدير بالذكر هنا أن السياسات الاقتصادية التي انتهجتها وتنتهجها الحكومة والتي تستند إلى الانفتاح الاقتصادي وبرامج التنمية، قد ساهمت في تدعيم الشرائح الرأسمالية التقليدية، كما ساهمت في خلق شرائح رأسمالية تتمثل أساساً بجماعات رجال الأعمال التي تمثل فئات البرجوازية العليا وأصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي معاً فعضوية هذه الجماعات لا تقتصر على رجال الأعمال في القطاع الخاص فقط بل تضم أيضاً المستويات الإدارية العليا في الشركات المملوكة للحكومة وقطاع الأعمال والبنوك باعتبارهم أصحاب النفوذ المؤثرين في صنع القرار. وبحكم طبيعة تكوين ومصالح جماعات رجال الأعمال يجب أن تولي اهتماماً أكبر بالسياسة الاقتصادية لكونها الأكثر ارتباطاً بمصالحها فرجال الأعمال أكثر قدرة على ممارسة المساومات والضغوط من أجل التأثير في القرار الاقتصادي. ولكن على الرغم من اتساع القطاع الخاص وزيادة دوره في الحياة الاقتصادية، فإن هناك جملة من العوامل والمؤشرات تؤكد أن القطاع الخاص البحريني بوضعيته الراهنة لا يمثل سنداً لتطور ديمقراطي حقيقي فبعض هذه العوامل يرتبط بطبيعة القطاع الخاص نفسه، وبعضها الآخر يرتبط بطبيعة علاقته بالدولة. ان أول هذه العوامل، يتمثل بالطبيعة البنائية للقطاع الخاص وطبيعة الأنشطة التي يقوم بها. فالقطاع الخاص ليس كتلة واحدة متجانسة، بل هو يتكون من روافد وفئات رأسمالية عديدة، أحدها هو الرافد العائلي الذي يضم مجموعة من الأثرياء الذين حققوا ثروات خيالية منذ الطفرة النفطية. ان هذا الرافد له وزنه في هيكل القطاع الخاص في الوقت الراهن، سواء من حيث الحجم أو من حيث القدرة على التأثير، ولذلك فإن هذه الشريحة من الرأسماليين لا تنظر إلى قضية الديمقراطية إلا من باب تحقيق الانفتاح الاقتصادي، والحد من رقابة الدولة على المصالح الكبرى. ان ثاني العوامل التي تحول دون جعل القطاع الخاص يمثل سنداً حقيقياً للتطور الديمقراطي هو افتقاد هذا القطاع الاستقلالية عن الحكومة، بل عدم رغبته في تحقيق هذه الاستقلالية وذلك يرجع إلى سبب رئيسي مفاده اعتماد هذا القطاع على الحكومة ومشاريع الحكومة إضافة إلى تحقيق العديد من الأنشطة والمكاسب والامتيازات المرتبطة بالتسهيلات والإعفاءات الضريبية والجمركية وبتنفيذ المشاريع الخاصة بالدولة. وفي ضوء ذلك، أصبح من الضروري على رجال الأعمال أو القطاع الخاص استيعاب مفهوم المنافسة الخاصة من الآخرين غير العاملين أو المطلعين على رؤى القطاع الخاص بالشكل الذي يقبل تلك المنافسة ويحافظ على وجودها وأن تتركز مطالبهم من المجلس النيابي في تنقية أجواء الاقتصاد لمواجهة المنافسة ومحاربة الفساد وتطوير النظم الإدارية لعمل الاقتصاد وذلك من خلال غرفة تجارة وصناعة البحرين كمنظمة ضغط خاصة «تكتل التجار» حيث إن العمل المدني لا يختلف عن السياسة الذي شرّع العمل فيها المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك المفدى، والدخول في صراع مع الحكومة لا يعني مواجهة الحكومة إنما يعني إقناع الحكومة فمنظمات الضغط توفر المجال للقطاع الخاص لكي يكون نشيطاً في مجتمعه ووطنه بشكل عام حيث توفر صوتا للجمهور والقطاع الذي تخدمه بالإضافة إلى أن لدى القطاع الخاص معرفة خاصة ومهارات قد لا توجد في الحكومة حيث تكون معرفة الحكومة أو أية مؤسسة حكومية بالمشاكل التي يواجهها القطاع الخاص قليلة جداً فالخبراء في هذه الأمور هم الأشخاص الذين يعيشون ويواجهون التحديات يومياً فإذا لم تعلم الحكومة عبر العمل المدني بالمشكلات التي تواجه القطاع الخاص فسوف ينحسر دورهم في العملية الديمقراطية في الإشراف الخارجي فقط. لقد أصبح لزاماً على غرفة تجارة وصناعة البحرين ان تُفعِل لجنة الدعم أو ما تسمى سياسياً لجنة ضغط «تكتل» ‏مهمتها أن تشن حملات لقضايا معينة نيابة عن القطاع الخاص الذي تمثله حيث يكون بوسعها التنظيم والتأثير على المشرعين في المجلس الوطني والمؤسسات الحكومية المسؤولة عن الإصلاح وتتولى المسؤولية لتوصيل مطالب القطاع الخاص للحكومة والمجلس الوطني. إنه من الأهمية أن يعمل هذا «التكتل» كورقة ضغط قوية على المجلس الوطني والمؤسسات الحكومية المسؤولة عن الإصلاح في انتشار مفاهيم الليبرالية الاقتصادية وهي المناخ الأفضل والملائم لنمو رأس المال بشكل حقيقي. ولا بأس في هذا السياق من أن يساهم القطاع الخاص بدور في رسم السياسة الاقتصادية الشاملة. إن نتائج سياسات الإصلاح السياسي الجارية الآن بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وما يتبعه من إصلاحات اقتصادية مستقبلية والتي يقوم فيها القطاع الخاص بدور كبير سوف يكون لها تأثيرها المهم في عملية التطور الديمقراطي خلال الأجلين القصير والمتوسط.

* محلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية