عواصم - (وكالات): يواصل آلاف المدنيين نزوحهم القسري هرباً من الموت في سوريا، حيث تقصف قوات النظام بعنف الغوطة الشرقية قرب دمشق بهدف السيطرة عليها بالكامل، وتصعد تركيا هجومها على منطقة عفرين الحدودية شمالاً لطرد الأكراد منها.

وبلغ عدد الفارين من مدينة عفرين منذ مساء الأربعاء أكثر من 200 ألف مدني شوهدوا في طوابير طويلة من السيارات المحملة بالأمتعة والناس على الطريق المؤدي إلى خارج المدينة.

ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان السبت مقتل 36 مدنياً في قصف جوي لقوات النظام على بلدات في الغوطة الشرقية بينهم 30 في غارات استهدفت زملكا أثناء محاولتهم الخروج من المدينة.



وتشن قوات النظام منذ 18 فبراير حملة عسكرية ضد الغوطة الشرقية بدأت بقصف عنيف ترافق لاحقاً مع هجوم بري تمكنت خلاله من السيطرة على أكثر من 70 % من هذه المنطقة.

وبلغت حصيلة القتلى جراء القصف على الغوطة الشرقية منذ نحو شهر 1400 مدني بينهم 274 طفلاً.

ولطالما شكلت الغوطة الشرقية هدفاً لقوات النظام كونها تعد أحدى بوابات دمشق. وقد فرضت عليها حصاراً محكماً منذ 2013 رافقه طوال سنوات قصف جوي ومدفعي منتظم شاركت فيه طائرات روسية. وتسبب القصف بمقتل آلاف الأشخاص، كما أسفر الحصار عن أزمة إنسانية تجلت بنقص فادح في المواد الغذائية والطبية، ووفيات ناتجة عن سوء التغذية.

وزادت معاناة سكان الغوطة الشرقية مع التصعيد العسكري الأخير، وانتقلوا إلى أقبية غير مجهزة للاحتماء، من دون أن يتمكنوا من الخروج منها تحت وطأة القصف. ومع اشتداد المأساة، بدأت حركة نزوح جماعي الخميس هرباً من الموت وبعد لأن فتحت قوات النظام ممراً لخروج المدنيين إلى مناطقها.

وعبر عدد من سكان الغوطة الشرقية خلال الأيام الماضية عن خشيتهم من الفرار إلى مناطق سيطرة الحكومة خوفاً من الاعتقال أو التجنيد الإجباري، لكن استمرار التصعيد لم يترك أمامهم أي خيار آخر.

وفر السبت أكثر من 10 آلاف مدني من بلدة زملكا عبر معبر حمورية المجاورة التي سيطرت عليها قوات النظام الجمعة، وفق المرصد السوري. وارتفع بذلك إلى "أكثر من 40 ألفاً عدد النازحين في الغوطة الشرقية" منذ الخميس.

وأفاد المرصد السوري بـ "فرار عشرات المدنيين أيضاً السبت للمرة الأولى من مدينة حرستا غرباً".

وأورد التلفزيون الرسمي السوري نقلاً عن مصدر عسكري أنه جرى السبت فتح ممر جديد للمدنيين في حرستا التي تتقاسم قوات النظام وحركة أحرار الشام السيطرة عليها.

وبث التلفزيون الرسمي مشاهد نزوح المدنيين. وأظهرت الصور نساء مسنات يرتدين الأسود وشابات يحملن بطانيات وأمهات يحاولن جر عربات أطفالهن على طريق وعرة، ورجالاً يحملون حقائب على أكتافهم.

وتنقل الجهات الحكومية السكان الفارين من الغوطة إلى مراكز إيواء، في وقت تضيق المدارس القريبة من المنطقة المنكوبة بمئات العائلات.

وقال أبو خالد عمري "35 عاماً"، الذي لجأ إلى مدرسة في عدرا، "لا مكان ننام فيه. لا مياه. لا بطانيات كافية.. النساء والأطفال جالسون على الأرض".

وتتواصل المعارك جنوب الغوطة الشرقية بين قوات النظام وفصيل فيلق الرحمن، وقد تمكن الجيش السوري من السيطرة على أكثر من نصف مساحة بلدة كفربطنا، وفق المرصد.

وأفاد مراسل فرانس برس في عربين عن قصف عنيف عند أطرافها.

وحملت هيئة التفاوض السورية الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة، السبت مجلس الأمن الدولي "بشكل مباشر مسؤولية السكوت عن الجرائم" التي تحصل في الغوطة الشرقية، و"عدم اتخاذ الإجراءات التي تمنع حدوثها".

وفشلت حتى الآن كافة الجهود الدولية في التوصل إلى حل ينهي النزاع الذي دخل الخميس عامه الثامن مع حصيلة قتلى تخطت 350 ألف شخص.

ومع تقدمها في الغوطة، تمكنت قوات النظام من تقطيع أوصالها إلى ثلاثة جيوب منفصلة هي دوما شمالاً، وحرستا غرباً، وبلدات أخرى جنوباً.

وأعلنت فصائل جيش الإسلام وحركة أحرار الشام وفيلق الرحمن الجمعة استعدادها لإجراء مفاوضات مباشرة مع روسيا في جنيف برعاية الأمم المتحدة بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

وتسعى دمشق إلى السيطرة على كافة أراضي البلاد ونجحت بدعم من حليفتها روسيا باستعادة أكثر من نصفها خلال السنوات الأخيرة، وكانت خسرتها في مواجهة فصائل المعارضة والمتطرفين خلال السنوات الأولى من الحرب التي تشعبت وتعقدت لا سيما بسبب تدخل قوى كبرى عديدة فيها.

وشمال البلاد، نزح أكثر من 200 ألف مدني من مدينة عفرين منذ مساء الأربعاء بينهم 50 ألفاً السبت، خشية من هجوم تركي وشيك ضد هذه المنطقة ذات الغالبية الكردية، وفق المرصد السوري.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن "المشهد مرعب ومخيف، الوضع الإنساني كارثي".

وفي بلدة الزهراء التي يسيطر عليها مقاتلون موالون للنظام شمال حلب، قال أحد النازحين "الناس ينامون في الجوامع والمدارس وحتى في المحلات، ومنهم من ينام في السيارات أو على جوانب الطرقات".

ووثق المرصد السوري مقتل11 مدنياً في غارة تركية استهدفت مدينة عفرين التي تدور معارك عنيفة عند أطرافها الشمالية "في محاولة من القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها لاقتحامها" إثر تطويقها بشكل شبه كامل قبل أيام.

وأسفر القصف التركي الجمعة عن مقتل 43 مدنياً في عفرين بينهم 16 مدنياً جراء غارة استهدفت المشفى الرئيسي في المدينة، بحسب المرصد، الأمر الذي نفاه الجيش التركي للمرة الثانية اليوم، مؤكداً استهدافه فقط لمواقع المقاتلين الأكراد و"أخذ الإجراءات اللازمة (...) لكي لا يتأذى المدنيين".