نجحت شركة «تسلا» الأمريكية المتخصصة في صنع السيارات الكهربائية من تأمين نصف مليون طلب لسيارتها الجديدة موديل 3 التي يتم تسليمها للزبائن هذا العام. أيضاً أعلنت «فولكسفاجن» الألمانية قبل أيام نيتها تصنيع 3 ملايين سيارة كهربائية من جميع الأحجام في عام 2025، و«فولفو» السويدية - الصينية ستتحول كلياً في عام 2019 إلى تصنيع هذا النوع من السيارات الجديدة منهية عقوداً من تصنيع السيارة التقليدية والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أصدر قراراً يحظر بيع سيارات البنزين والديزل في بلاده بحلول عام 2040.

ببساطة، العالم يتغير فعلياً من حولنا ولا مجال للتشكيك في ذلك، فهل نحن مستعدون لهذا التغير؟

بالنسبة للخليج أخطر انعكاس لهذه المستجدات هو التخلص تدريجياً من الاعتماد على البترول في قطاع السيارات، مما يعني أن السلعة الوحيدة التي حركت اقتصادنا منذ اكتشافها في الثلاثينات تصبح مع مرور الأيام سلعة تقل الحاجة لها.

وأظهرت دراسة نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية، أن السيارات الكهربائية إذا انتشرت بنطاق واسع بإمكانها أن تخفض استيراد النفط في بريطانيا بمعدل 40% بحلول 2030. والحال ينطبق كذلك على جميع الدول المستوردة للنفط في حال قررت أن تستخدم سيارات الطاقة البديلة.

الآن دولنا تسارع لتنويع اقتصادياتها في محاولات متأخرة لكسر الاعتماد على النفط، لكن هل ستنجح في ذلك؟

التحدي أن دول مجلس التعاون لديها نفس المقومات تقريباً وتوفر فرصاً متشابهة وتتجه نفس الاتجاه في جذب الاستثمارات، وبدلاً من أن نعمل لنكمل بعضنا بعضاً، أحياناً نتجه لمنافسة بعضنا البعض وهذا أمر مؤسف ويحتاج إلى تنسيق أفضل.

بالنسبة للبحرين فاستراتيجية «المحيط الأزرق»، تبدو أحد أبرز الخيارات المتاحة. حيث تقترح هذه الاستراتيجية لمن يريد أن ينجح اقتصادياً أن يبتعد عن الأسواق المزدحمة ذات المنافسة الشديدة، وأن يحلق خارج السرب ليعمل في صناعة أو تجارة ليس فيها منافسة كبيرة، لأنه سيكون قد ملك السوق تقريباً أو جزءاً مهماً منه وبذلك يضمن مردوداً مادياً أكبر.

ولعل نجاح البحرين في مشروع مصهر الألمنيوم «ألبا» خير مثال على استراتيجية «المحيط الأزرق» حيث كان الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط برمتها في بداية السبعينات، وأدخل البحرين عصر عدم الاعتماد على النفط من أوسع أبوابه، لكن وبحكم ما ذكرناه سابقاً من ضعف التنسيق في المنطقة، سرعان ما أجبر على دخول منافسة صعبة مع مصانع مشابهة في الإقليم.

ويبدو أنه من الضروري أن نفكر بهذه الطريقة بشكل جدي أكثر، وأن نبدأ في البحث عن المشاريع المبتكرة والقطاعات التي لا تتوفر في الإقليم.

وليس واضحاً في واقع الحال أين ستتجه أنظار المسؤولين لدينا في البحث عن هذه الفرص، وما هي الخيارات المتاحة أصلاً.

في حديثي مع مسؤول اقتصادي مرموق، وفي نفس السياق، أوضح لي أن علينا ألا نركز جهدنا فقط في جذب المؤسسات العالمية الضخمة التي تعرف مجازاً بـFortune 500 أو الشبيهة لها لأن الجميع في المنطقة يهرول وراءها، بل علينا النظر في إمكانية التودد للشركات الأجنبية ذات رؤوس الأموال المتوسطة والتي لا تحمل بريق الشركات الكبيرة.

الشركات المتوسطة توفر فرصاً ذات فائدة أكبر خاصة للبحرين، فكثير منها توفر الوظائف التي تتطلب مهارة وتعليماً جيدين -بذلك يستفيد البحريني المتعلم- عكس الكبيرة التي يحتاج نشاطها في الغالب إلى أفواج من العمالة الرخيصة. كما أن عدداً لا يستهان به منها مستعد للتواجد في هذه المنطقة وضخ الأموال فيها، وكل ما نحتاجه هو أن نغير من توجهنا قليلاً ونبحث عما هو مختلف وغير سائد في جذب الاستثمارات، والعهدة على الراوي.